ـ(511)ـ وإذا كانت الحضارة عامة وشاملة فإن الثقافة خاصة بكل أمة. تستمد جذورها من القيم الدينية والخلقية ومن المفيد التذكير بأن الأُمة الإسلامية عندما تأخذ من حضارة الغير فإنها تأخذ من حضارة لها سابقة في بنائها. وأوربا ذاتها أخذت من حضارة المسلمين ولكنها لم تأخذ من ثقافتهم بل على العكس سخرت كل أسلحتها ضد ثقافتنا وفكرنا والدعوى إلى الأخذ بثقافة الغير المادية دعوى رفضها ويرفضها الفكر الإسلامي متجسداً بعلمائه ومفكريه. لأنّه يقوم على أساس الترابط بين الثقافة الروحية والثقافة المادية، ولأنه فكر له قاعدته الخاصة به، والقائمة على الاحتفاظ بذاتيته ومقوماته، يأخذ ويعطي ويتفاعل مع الأفكار الأخرى بحدود، دون أن يفقد ملامحه الأصيلة. وكل هذه الدعاوى المشبوهة مردها إلى المحاولات المتكررة للمستشرقين الذين يصفون الفكر الإسلامي بالفكر الديني جرياً على التقسيم الذي عرفه الفكر الغربي بالفصل بين الدين والسياسة، وبين الأخلاق والاجتماع وبين العلاقة بين الله والإنسان. وكان هذا أمراً طبيعياً في بيئة الفكر الغربي الذي تشكل من خلال عناصر التراث اليوناني والتشريع الروماني واللاهوت المسيحي والعبث اليهودي ومن ثم الصهيوني. وعلماء المسلمين ومفكروهم وأصحاب الشأن في هذه الأُمة إستناداً إلى مرجعية حفظ الله تعالى لهذا الدين وفكره قد انبروا ماضياً وحاضراً بأقلامهم لمثل هذه الشبهات والأفكار الدخيلة على الإسلام. وان كتابتي حول شبهة فصل الدين عن السياسة لم تأت بشيء جديد من حيث هي. ولكن الجديد هو إيجاز لعصارة ما كتبه المفكرون الإسلاميون حول الأساس والمنشأ والهدف من هذه الشبهة كي تكون في متناول أكبر عدد من المسلمين على اختلاف مستوياتهم ذاكراً ما ورد في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة من أدلة.