ـ(510)ـ ولما لم يجد جدوى من استعمال أسلحته المادية لجأ إلى ابتكار جديد يتمثل في الدخول على الإسلام من باب ما يعرف بالغزو الثقافي الفكري لاسيما في القرون القليلة الماضية وحتى اليوم أي منذ ما يعرف ببداية النهضة الأوربية الحديثة والثورة الصناعية. بداية من القرن السادس عشر عن طريق الأفكار المسمومة وهي كثيرة ومتنوعة، من بينها فكرة أو شبهة فصل الدين عن السياسة أو عن العلم أو غير ذلك مستنداً إلى واقع عاشته ومازالت تعيشه أوربا وغيرها. وتخصيص أوربا بالذكر لا يعني أنها صاحبة الامتياز بهذا الشأن، ولكنها الرائدة فيه بسبب علاقتها المباشرة مع المسلمين منذ عدة قرون. وإشهار هذا السلاح من غير المسلمين على الإسلام ليس بالأمر العجيب ولكن العجاب من بعض من يتسمون بالمسلمين كيف تتكون لديهم القناعة بصحة وعمومية هذه الشبهات، ومن ثم إلصاقها بالإسلام على الرغم من المناعة الفكرية التي تميز فكر هذه الأُمة والمستمدة من القرآن الكريم ومن السنّة النبوية الشريفة يتمثل ذلك بتكفل الله سبحانه وتعالى بحماية مصدر هذا الفكر وصفاء ينبوعه بقوله عز وجل: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ?(1). وما أرى إلاّ أن أمثال هؤلاء وبسبب ضعف إيمانهم قد أصيبوا بفيروس التقليد فما اضطربت أفكارهم وفقدوا السيطرة على ألسنتهم وأقلامهم وهذا لا يعني أن يدير المسلمون ظهورهم لكل جديد من الحضارة بل على العكس من ذلك فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها حيث يجدها ولكن عليهم قبل كل شيء أن يُميزوا بين الحضارة والثقافة لأن الحضارة مادة والثقافة فكر. ________________________________ 1 ـ سورة الحجر: آية 9.