ـ(105)ـ والحالة الثانية: ان يتخذ المجتمع سبيل ترجيح أحد طرفي أنماط التوازن التي أشرنا إليها ـ أو التي لم نوفق للإشارة إليها ـ ليتم نوع من الإفراط في ذلك. ولنضرب مثلاً على ذلك: باتخاذ المرء موقف الثقة بالنفس إلى الحد الذي ينسيه التوكل على الله ويوقعه في الغرور القاتل، أو موقف الرجاء الكبير بالله مع نسيان الخوف من عقابه، أو موقف الرهبنة والتركيز على الآخرة، وإهمال الدنيا، مما يقعده عن اتخاذ دوره الحضاري المطلوب، أو موقف البرهنة وطلب الدليل في كل شيء. وإلا ترك الإيمان به ـ وهو موقف خطير يفقد الإنسان المسلم أولى خواصه، وهي خاصية التسليم المطلق لله جل وعلا ـ وأمثال ذلك. لا أريد هنا ان أسوغ السلوكات المنحرفة والتصورات السخيفة، وإنّما أريد ان نمنح كل شيء حقه بقدر، وان نفسح المجال لاختلاف الرأي، وان نبقى نعتقد ان الخلاف الذي نهينا عنه ليس الخلاف الفكري مطلقا، كيف والقرآن كتاب الفطرة، وكتاب الدليل، والنظر، وهو منسجم مع كل الحالات الطبيعية، ومنها الاختلاف الفكري. وإذا كان قد نهانا عن الخلاف فهو يشير إلى التنازع العملي المقيت بلا ريب، ويدعونا للاعتصام بحبل الله جل وعلا. أعود فأقول ان الحالتين معا منحرفتان عن الخط الإسلامي الوسط. وإذا أردنا ان ندين، كان علينا ان ندينهما معا: ندين حالة العلمنة وكل أولئك الذين يقفون وراءها محتجين بحجج واهية من قبيل: ملاحظة مقتضيات التطور والتعقيد الاجتماعي، ولزوم استخدام الوسائل والنظريات العلمية،