ـ(97)ـ بالنكسة وأصبحت انهزاميتها أمام الالتواء في نفسية الإنسان الأوربي بديلاً لإحراز النصر على الجاهلية. لقد استغل الإنسان الأوربي انهزامية تعاليم المسيح وتقهقرها أمام الزحف الجاهلي المخيم على مراتع الحياة ففرض عليها قيوداً وشروطاً لقاء دخولها في تلك الآفاق; فكانت شروطاً قاسية بحق المسيحية كلفتها تنازلاً عن سر أصالتها وطابعها الإلهي في وقت خلا فيه الميدان من الحَمَلَة المخلصين الذين لو وجدوا لما رضخت المسيحية لهذا اللون من المساومات وكانت خطورة تلك التنازلات من جانب المسيحية كامنة في رضاها لنفسها أن تكون قابعة في إطار الكنيسة دون أن تلعب دوراً مهماً في الحياة، أما الشؤون الحياتية لهذا الإنسان كمسائل الاقتصاد وشؤون الحرب والسلم فهي أمور تنازلت عنها المسيحية لصالح الحضارة المادية ذاتها فأصبح هذا الإنسان يشرّع ويخطط لمصالحه ما يراه دون التقيّد بأي التزامات أخلاقية أو أدبية يفرضها الدين المسيحي; ومن هنا نشأت فكرة الفصل بين الدين وشؤون الحياة، وبدأت أجيال أوربا تتوارث هذه الفكرة عبر تاريخها حتى تأصلت في النفوس، وراحت تجارب إنسان أوربا تتراكم عبر الزمن حتى أولدت أوربا المعاصرة. وأما سبب العداء التقليدي الذي تأصل بين الأمة الإسلامية والإنسان الأوربي: أـ الروح العدائية التي يحملها الإنسان الأوربي للإسلام نظراً إلى أنه وريث حضارة مادية وثنية تأصلت في نفسه فألهمته الخصومة للإنسان المسلم في فكره ومفاهيمه عن الكون والحياة. ب ـ وساعد رجال الكنيسة على تأجيج هذا الحقد خوفاً على مصالحهم الذاتية وخشية من تمزيق الإسلام للبراقع السوداء الخداعة. ج ـ وقد ساعد على هذا العداء تلك الهزائم المتكررة التي منيت بها الدولة