ـ(93)ـ تماماً في صنع المستقبل; وما بداية الرسالة والخلافة الراشدية إلا مثالاً حيّاً يهز المشاعر ويحرك الضمائر ويتفاعل مع القلوب فلا تجدها إلا صورة رائعة وجميلة تجعله يعتز بها ويهتز لها أعماقه فتدفعهُ إلى التفاعل معها والتحرك والانطلاق لصنع التحضر ; لأنها لم تسر بالناس في الظلام الحالك، ولا تحمل في طياتها التناقضات التي تفرغ العقيدة من محتواها; ولهذا يجد الإنسان نفسه في إطار التعبئة الحضارية آمنا مطمئناً في سيره واثقاً بهدف مسيرته قوياً أمام التحديات، قادراً على تمييز سلامة هذا المسير; لأنه يملك المقياس الموضوعي والأمثلة السامية والمتكاملة في التاريخ فيحكم من خلالها باستقامة المسيرة أو انحرافها. فالإسلام إذن عقيدة متلازمة دوماً مع مبادئ السلوك الفردي والتنظيم الاجتماعي بصورة محكمة وان أي تجزئة لهذا التلازم غير مقبول وهذا التكامل العقائدي الأخلاقي هو الذي صنع قوة الأمة الإسلامية وتماسكها. سابعاً: ومن عوامل القوة عند المسلمين وجود القيادة الإسلامية الحكيمة; فان تاريخ المقاومة الإسلامية للاستعمار الأوروبي يكشف لنا عن حقيقة المواجهة بين الكتلة الشرقية والغربية وكان الإسلام وحده في ميدان المبارزة الحادة، وكان علماء الدين هم رواد وزعماء تلك المرحلة الحاسمة; وكانوا وحدهم المعبئون للأُمة لأنهم انبثقوا من أعماقها وطبقاتها التي لم تتلوث بزيف الأجهزة الحاكمة وظلمها وترفها; فالهوية الإسلامية لا تبرز إلاّ من خلال اللحظات الحرجة والحاسمة وأيام المحنة; ولقد وصلت القيادة الإسلامية إلى المستوى المطلوب لتحمل المسؤولية الكبرى التي تتطلبها المرحلة الحاسمة في المواجهة وصد الغزو الثقافي والفكري; ويستدعي هذا حتماً إلى تحمل الصعاب وتقديم التضحيات والقدرة على الاستمرارية في المسيرة، والوعي الفكري والعقائدي التام والحزم والقدرة على اتخاذ القرارات، وعدم التساوم فيها; ومسؤولية القيادات الإسلامية الواعية هي