ـ(89)ـ الإنسان مما يعانيه من التبعية وألوان التشتت والضياع. ثانياً: وتكمن قوة المسلمين في التركيب العقائدي لأنها وضعت هدفاً واضحاً ومعيناً للمسيرة الإنسانية، وطرحت فيها معالمها وتصوراتها من خلال الإيمان بالله سبحانه وجعله غاية للتحرك الحضاري وبداية الانطلاق لاكتشاف الآفاق الجديدة والامتدادات غير المنظورة، مما تزيد الجذوة اتقاداً والحركة نشاطاً والتطور إبداعاً. لقد أعاد الإسلام في تجربته الفريدة الحرية المنتزعة والكرامة المفقودة للإنسان من خلال تهيئة المناخ المناسب للنمو والإبداع في مختلف مجالات الحياة الفكرية والسياسية والعسكرية; فان النمو الصالح للفرد إنّما يتحدد من خلال قدراته الفردية وقابلياته الخاصة. ثالثاً: ومن عوامل القوة عند المسلمين طرح الإسلام مفاهيم عملية حضارية كالمساواة والعدالة والحرية والانتصار للمظلوم وغيرها; ولم تنحصر هذه المفاهيم على الأمة فحسب بل شملت واقع الحكام أيضاً وإنّ عليهم أن يعيشوا مواطنين عاديين في حياتهم وسلوكهم; ولم تكن هذه المفاهيم نقوشاً جميلة مثبتة في لوحة الدستور كما هو ثابت في الأنظمة الحديثة، بل هي على مستوى تطبيق عملي وممارسة فعلية في واقع الحياة; والتجربة الإسلامية غنية بالشواهد الحية على ذلك.. وإليك نموذجاً منها: رفع يهودي كان يعيش في إطار الدولة الإسلامية شكوى على الإمام علي عليه السلام إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فأحضرهما الخليفة وأجلسهما معاً في مجلس القضاء وأخذ يستمع لكلامهما; ولكن سرعان ما رأى الخليفة آثار التأثر بادية على وجه الإمام عليه السلام فخيل للخليفة عمر أنه أساء للإمام عليه السلام لأجل أنه أجلسه مع اليهودي في مكان واحد فقال لـه الإمام علي عليه السلام: إني استأت لأنك لم تساو بيننا إذ كنيتني ولم تكنه".