ـ(87)ـ العصر تعاني أزمة بل أزمات وأبرزها، الأزمة العقلية; اللازمة الاشتراكية الماركسية. لقد حاولت الاتجاهات العقلية الحديثة أن تجعل من العقل رائداً لتسير على هداه وتوصلت إلى الطريقة التي تجعل الإنسان سيد الطبيعة وسهلت ظاهراً عليه سيطرته على العالم وسلوك حياته ولكنها في الوقت ذاته أفقدته أو تحاول أن تفقده أسباب حياته وحريته. وأمّا الأزمة القومية فقد تجلت في الحركات التي قامت في العالم وأدت إلى تشكيل دول قوية حذت حذو "بسمارك وكافور وهتلر وموسوليني وستالين". بينما الأزمة الثالثة نشأت من تطبيق القواعد العقلانية على الحياة السياسية والاجتماعية فأظهرت التجربة الإنسانية عيوبها وانقسامها على نفسها في الخلاف القائم اليوم بين الدول الشيوعية(1). إنها أزمة الحضارة المعاصرة; وقد وضع العالم النفساني "ماتيوتشايل" يده على الجرح قائلاً: ليس القلق رد فعل; إنّما هو نتيجة مران وممارسة فرضتها تعقيدات الحضارة وسوءاتها"(2). وهكذا يتجلى بوضوح جهل الإنسان، فلم يتركه الخالق تعالى يصنع منهج حياته الأساسي بما فيه من نظم وقوانين واتجاهات اجتماعية مختلفة لأنه يقتضي منه علماً كاملاً وشاملاً لا بحقيقة الإنسان وحدها ولكن بحقيقة الكون والحياة ثم بحقيقة القوة الكبرى المدبرة لهذا الكون وما فيه ومن فيه. لقد عانى الإنسان ما عاناه بسبب غروره وعناده اللامجدي في وضع التفسيرات المتعجرفة وسن الشرائع والنظم الأساسية في حياة الناس دون أن يصل إلى نتيجة غير ما هو معروف عليه من قصور في المناهج وركام في ____________________________________________ 1ـ عالم الفكر ج 1 العدد 2 ص 32. 2ـ شفاء القلق، ص 12.