ـ(86)ـ والصهيونية ديناً ثم هذه المناورات والتحركات والهيئات التجسسية المتآمرة على بني الإنسان وتقسيم العالم وبسط النفوذ والتجمعات والأحلاف التي لا تنوى غير السوء والاستعباد. إنّ غياب الحضارة الإنسانية الصالحة الرشيدة عن عالم اليوم هو العلّة لكثير من مشاكل العالم الكبرى والسبب في معظم ظواهر القلق والتمزق الذي يجتاح العالم. قال "نيقولا اينياتو" الأستاذ في كلية الآداب بجامعة تورينو في شمال إيطاليا: إنّ التقدم التكنيكي وفرّ للإنسان اليسر والسهولة، لكنه صرفه عن اعتبار الحياة الروحية وبهذا سلبه الميزة الحقيقية الوحيدة التي يمكنه أن يستخلصها من اليسر والسهولة.. ألا وهي تكريس نفسه لتربية ذاته على نحو أفضل ثم يضيف قائلاً: ولربما كانت كل الشرور الناشئة عن التكنيك(1). فالمشكلة أساساً هي مشكلة الحضارة، أما التكنولوجيا والتكنيك فلا يؤديان إلى المشكلة إلاّ بالقدر الذي تتحكم به يد الحضارة التي هي اتجاهات وقيم ونظم سياسية واقتصادية واجتماعية وأهمها الصيغ الأخلاقية للفرد والمجتمع معاً وهذه هي المفاهيم التي نادت بها الحضارة الإسلامية ودعت إليها وكانت أصولها التي تستند إليها في تحركها وقد قبلها الإنسان برحابة صدر وطمأنينة تامة لأنها تضمن سعادته التي كانت ضالته على مرّ العصور. قال الدكتور نور الدين حاطوم: ان الإنسان الواعي بدأ يثور على حضارته وعلى ما خلقت من طرق ومناهج وقيم ومذاهب وتقنية ويحاول أن يقيمها ويجعل ما كان بالأمس منها حقائق مقبولة ومعطيات مسلما بها، موضع شك وتساؤل; ولا غرر إذا وجدنا حضارة ____________________________________________ 1ـ انظر عالم الفكر ج 1 العدد الثاني 1970 لعبد الرحمن البدوي ص 12.