ـ(85)ـ عن مفاهيم وتصورات وركائز فكرية معينة. وأما "هانزكوهن" الذي انتقد الحضارة الشيوعية ووصفها بالانغلاق والاستبدادية(1); فهو في هذا الوصف لا ينظر للشيوعية على أنها حضارة تعيش تحت ظلها المدنية في أرقى تطورها إنّما ينظر إليها فقط كحضارة ذات مرتكزات فكرية واتجاهات سياسية وسلوكية اجتماعية متميزة. والصحيح في تصورنا دائماً هو أن الحضارة تتعلق بالمعنويات والنظم والمبادئ كما ذكرنا. وان المحاكاة لما تسير عليه بعض المجتمعات من تقاليد وما تحمله من قيم ومبادئ وما تطرحه من سلوكيات لمجرد تفوقها المادي والتكنولوجي هو أمر في غاية الضعف وضآلة الوعي وسوء التقدير ; لان هذه المحاكاة قائمة أساساً على عقدة مجارات القوي والتشبه به; وتدل على غياب العمق الفكري في تحليل هذا الاتجاه على هذا النحو. إنّ فهم الحضارة وتقديرها ـ وبمعزل عن الجانب المدني ـ على ضوء من الدرس والتأمل للأسس التي تشكلها وتصوغ خطوطها ومواقفها العامة إزاء الكون والإنسان والحياة ـ كما هي الحضارة الإسلامية ـ هو المنهج الصحيح للتقييم الحضاري وهو النموذج الصائب للموازنة بين حضارة وأخرى، وإلاّ فكيف نفسر حالة التدهور التي يعانيها الإنسان في أوروبا ـ على الرغم من سعة عيشه ووسائله إن كان التقدم العلمي والمادي كافياً للتعلق بالمناهج الحياتية والأفكار السائدة في البلاد؟ وما تفسير الاستغلالية البشعة التي تمارسها الدول الصناعية بحق الشعوب الصغيرة المسروقة الثروة والمسلوبة الكرامة؟ ومن يتحمل مسؤولية كل هذه الجرائم والدماء التي تلطخ وجه الأرض يومياً عبر أعمال القهر والتنكيل؟ وما هو سبب تلك العنصرية التي مارستها النازية عرقاً والدول المستكبرة لوناً ____________________________________________ 1 ـ المصدر نفسه: 46.