ـ(579)ـ وكلامنا كله في الزعيم الأعلى لبلد المسلمين والذي تجتمع في يده جميع الصلاحيات والسلطات ويكون مهيمناً على الكل وذو القدرة التامة في الفعل والترك وصاحب مثل هذا المنصب لا يمكن الأخذ على يده ـ عادةً ـ لو أراد أن يأخذ بالأمة طريقاً لا يُرتضى فلابدّ من أحكام الأمر من بدءه حتى لا يفلت الزمام ولات حين مندم. الأصل في المقام: ذكروا: ان الأصل في المقام عدم ولاية أحد على أحد إلاّ بدليل. هذا في غير المولى سبحانه وإلا فالأصل هو الولاية المطلقة من جميع الجهات للمولى سبحانه على جميع الموجودات بما انه خالق، وبما انه ربّ تبارك وتقدّس فله الحكم والأمر والنهي في عباده بحسب مشيئته وما تقتضيه حكمته. وقد كتب المولى سبحانه للنوع البشرى الخلود وان عليهم بلوغ مراتب الكمال بسعيهم وجهدهم حتى يتأهلوا للخلود مع الملائكة في النعيم المقيم. ولما كان النوع البشري غير متمكن من السير في طريق الكمال والانتهاء إلى غايته لما تنتابه من عوارض الغرائز المركبة فيه ولطاقته المحدودة في تعرّف السبل إلى ذلك الكمال فقد أرسل المولى سبحانه أنبيائه ورسله بالكتب المتضمنة للقوانين، المتكفلة لإيصال النوع إلى ذلك الكمال، والمنظمة لأمور معاشهم بما فيه العدل والأنصاف وانتظام الحال إلى آخر الدنيا. وقد عهد المولى سبحانه أمر الخلق إلى النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم فعليه تبليغ رسالات الله سبحانه والسعي في هدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور وله رئاستهم في جميع الشؤون ديناً ودنياً. وقد قام النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلم بكل ما عهد إليه خير قيام ونشر الإسلام في ربوع الجزيرة العربية كلها وهيأ الجيوش لنشر الدين في الأرض وأكمل