ـ(578)ـ لاهداف الإسلام والحاكمة بموازينه في كل عصر بل بوجوبها. بل لا يُعقل أن يسمح الإسلام بترك الأمر كيفما اتفق مع ما تعلم من توقف سعادة الدارين عليها وانتظام أمور المعاش والمعاد بها وكونها من أعظم المهمات للجمع البشري خصوصاً في مثل زماننا إذ ازداد تعقيده الحياة وأصبح منع استشراء الرذائل المهلكة المدمرة متوقفاً على وجودها بل ان الأراذل لن يتركوها أبداً ونحن نشهد نتائج وصول أمثال هؤلاء إلى مقام الأمر والنهي المطلق وما آلت إليه أمور الناس وما حُلّ بتعاليم الدين فهل يُعقل أن يهتم الإسلام بيتيم توفي والده ولم يوص بأمر تدبيره وتدبير مآله إلى شخص فيكفله ويرعاه عبر تعيين ولي لـه حتى يبلغ مراشده ويترك حبل أمّة عظيمة على غاربها بذل النبيّ كل عمره المقدس لبناء كيان لها وإسعادها، أفهل تُترك بلا أمر بتدبيرها أو بعدم وضع ضوابط لشؤونها. وما ذكروه في شأن الأمور الحسبية كاف في المقام: إذ الأمر الحسبي هو كل أمر جزمنا بإرادة الشارع المقدس لوجوده خارجاً ولم نتبين الجهة التي أوكل لها أمر القيام به فالقدر المتيقن في المقام الفقيه. وجمع من الفقهاء الكرام يرون في زعامة الأُمة منصباً مختصاً بالفقيه الجامع لشرائط الإفتاء كاختصاص حق القضاء والإفتاء به، ولا يجوز لغيره الحلول محلّه في هذا المنصب وإلا فقد تولى ما ليس لـه وهو جائر وإن عدل. فبان هذا الحكم باختصاص المنصب بالفقيه وإلى بأول حكم إسلامي لم ينفذه على وجهه. على ان تولي غير الفقيه لزمام الأُمة وقيامه بشؤونها حق القيام فرض يتعسر بل يتعذر تنفيذه ولا واقع لـه بشهادة الوجدان إذ سعة افقه الفقهي في مهم الأمور ودقيق المسائل والتي تعينه أيضاً بالتالي على التمتع بمستوى عال من الورع والاستقامة مما لا نظير لـه عادة وقد نبه الإمام الحكيم ـ رضوان الله تعالى عليه ـ في مستمسكه على الزعامة والرئاسة مزلة للأقدام ومخطرة للرجال العظام وإن علت درجاتهم وقل نظائرهم فما ظنك بغيرهم. فهذا فرض وإن أمكن دليلا إلاّ انه متعذر خارجاً وفق المنظور.