ـ(527)ـ يراد منه ان الرسالة لا تجامع أكل الطعام والمشي في الأسواق لاكتساب المعاش فإنها اتصال غيبي لا يجامع المتعلقات المادية، وليست إلاّ من شؤون الملائكة(23).. ومن خلال هذا يتضح ان المشركين كانوا يسعون جادين في ممارسة الضغوط النفسية والاجتماعية على الرسول لأبعاده عن الحياة الاجتماعية والقرآن الكريم يدفعه إلى الحضور الاجتماعي الفاعل لممارسة دوره الرسالي والتبليغي بين أفراد المجتمع من خلال حضوره الواقعي المثالي الفاعل لأن طبيعة الإنسان يتأثر بأخيه الإنسان، ويتفاعل معه، يتأثر بتفكيره وبأخلاقه، وسلوكه، ويستمع إلى ما يقولـه من الحق والصدق لهذا أخذوا يحاولون عزل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عن الأُمة بإثارة بعض الشكوك وانتحال بعض الشبهات لأبعاد الناس عنه صلّى الله عليه وآله وسلم، حتى ان الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام حذّر واليه في مصر من مغبة الإطالة في الاحتجاب عن الناس إذ قال عليه السلام: "وأما بعد فلا تطولن احتجاجك عن رعيتك فان احتجاب الولاة عن الرعية شُعة من الضيق وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل"(24). وإذا كان القرآن الكريم قد دفع بالقيادة الإسلامية إلى عمق المجتمع فانه لم يطلب منها الحضور الاجتماعي فحسب بل أكّد على وجود الرابطية والتفاني والإيثار بين القيادة والأُمة لأنّ الأُمة عندما تتحسس وجود حالة التفاني والإيثار والسلوكية الأخلاقية العالية لدى قيادتها فإنها تنظر بعين الود والاحترام والالتزام بخط ونهج قيادتها، لان القيادة أضحت تعيش الهموم والمعاناة التي تحملها الأُمة فلا تنفصل عنها، وقد أكد القرآن في العديد من آياته على تلك الرابطة التي تحكم علاقة الأُمة بقائدها من خلال السلوك المثالي للقيادة. قال تعالى:?وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا?(25). وقولـه تعالى: