ـ(526)ـ هذا الحس الواقعي يمكن ملاحظته من خلال حركة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم، وهو يمارس دوره الاجتماعي كقائد للأُمة. فقد تولى مسؤوليات القضاء في المدينة بين الناس، ونفذ العقوبات، والتعزيرات والحدود، كما نفذ بعض أصحابه مسائل قضائية عندما تولوا القضاء كالإمام علي عليه السلام الذي تولى القضاء في اليمن.. كذلك معاذ بن جبل، ومعاذ بن نوفل، وأبو موسى الاشعري...(18). ولهذا فان الجهل بالواقع، أو فقدان الإحساس بأوضاعه يبعده عنه أولاً ويسلّمه إلى القوى الأخرى.. فيوجهوه في غير الوجهة التي يتجه إليها في عقيدته ودينه ثانياً(19). وقد وجه القرآن النبيّ الأعظم في أن يكون لـه حضوراً اجتماعياً فاعلاً ومؤثراً في الوسط الاجتماعي قال تعالى:? وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ?(20). لأنّ الأسلوب الانزوائي في العمل الفكري والاجتماعي، لا يجعل القيادة لها الدور الكبير في العملية التغييرية، ولهذا فقد أحس الكافرون والمشركون ما لدور النبي صلّى الله عليه وآله وسلم المؤثر في المجتمع، فأخذوا يبحثون عن الأساليب الفاعلة لأبعاده صلّى الله عليه وآله وسلم عن هذا الدور، قال تعالى: ?وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا$ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا?(21). وقد أجاب القرآن على هذا الاتهام بقوله: ?وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا?(22). ومن هنا يظهر معنى قولهم:(مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق)