ـ(485)ـ الدينية بما تعنيه من إلغاء الحريات المدنية جميعاً وفرض الرقابة على الضمائر والسرائر، وتحكيم رجال الدين في شؤون المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وهم غير كفوء لها، إلى جانب ما يتضمنه هذا الشعار من تطبيق بعض الحدود والأحكام التي لا تتفق وروح العصر وقيمة الإنسان، سواء فيما يتعلق بالعقوبات الجسدية أو التمييز بين الرجل والمرأة)(1). وفيما يبدو تطبيق الشريعة بالنسبة إلى الإسلاميين امتثالا لوظائفهم الشرعية الداعية إلى إرجاع عباد الله إلى حضيرته تعالى والالتزام بأوامره(يبدو القانون الوضعي لأنصاره بمثابة التعبير عن قيم التحرر العقلي والسياسي والاجتماعي البشري. وبالعكس يبدو النظام الوضعي بالنسبة للإسلاميين كنموذج للحكم القهري الاستبدادي المفرط بالحريات، تماماً كما يبدو النظام الإسلامي عند العلمانيين كنموذج للحكم الديني الوسطوي المجسد لقيم الاستبداد والتضحية بالقانون والضمير(2)، وهي كما يلاحظ تحفظات تدل على قطيعة واضحة بين الطرفين لا يمكن حسمها بالتسويات التقليدية أولا، وأنها مخاوف لا تستند إلى مبررات منطقية حاسمة فقسم منها من تاريخنا وأغلبها من تاريخ ثانيا، وان ما هو قائم من تعسف واستبداد وإلغاء الحريات وهدر لكرامة الإنسان من قبل النخب العلمانية الحاكمة مما لا يعين هذه النخب على اتهام غيرها والتشيكك بنواياهم ثالثاً. ان الرهان الثالث يكشف زيف الالتفافات الزائفة ويسمى الأشياء بأسمائها، أنه ينطلق من حقيقة الاعتقاد بأن أحكام الشريعة الإسلامية أحكام واضحة وميسرة وصريحة ولا يحتاج تطبيقها إلى الإرادة والإيمان بهما الأمر الذي يفتقده الحكام أما بسبب جهلهم حقيقة الدين أو ابتعادهم عنه، أو ارتباطهم بمرجعيات فكرية غيره. هذا الاختلاف بين النخب الحاكمة وبين مشروع الدولة الإسلامية وطلائعه ___________________________ 1 ـ نقد السياسة... الدولة والدين ـ برهان غليون ص 424. 2 ـ المصدر السابق ص 425.