ـ(475)ـ ولو كان هناك ما يبرر توقف الصراع وتجميد المخاوف بالنسبة للفريق الثاني خلال الفترة ما بين وما بعد الحربين العالميتين لأسباب عديدة فإن الزمن اللاحق قد أسقط تلك الأسباب وكشف حقيقة المخاوف أو زيفها لكلا الفريقين، ورجّ الوعي المتردد بما أخرجه من قوقعة الانتظار ودفع به وبالأمة إلى حالات التوثب والجهاد كيما تلج الأمة وطلائعها أزمتها الكبرى بكل وضوح، وبكل اقتدار، ودون ملابسات أو تبريرات. ان المرحلة التي مرت على المسلمين وبرغم قساوتها كانت مرحلة ضرورية لانفتاح الوعي، إذ ما كان للوعي الشعبي الإسلامي ان يقفز قفزته الهائلة هذه ما لم يمر بها ويتجرّع مرارتها، لكن الاستمرار في صياغة المخاوف القديمة بأطر جديدة، إنّما هو استمرار للازمة وتكريس للمحنة وليس حلالها. وإذا كان الفريق الأول لا يمتلك دليلاً على عدم ضرورة قيام الحكومة الإسلامية سوى مخاوفه، وسوى ترديد المثلث المعروف(رجعية، أصولية، إرهاب) فان الفريق الثاني لا يعتقد فقط ان الحكومة الإسلامية تشكل الإجابة والمنطلق لازمته الحاضرة، وإنّما يعتقد إضافة إلى ذلك بوجوب وشرعية العمل على إيجاد مثل هذه الحكومة. ثالثا: الحكومة الإسلامية الأدلة والمخاوف المفترضة كما ذكرنا ان مشروع الحكومة الإسلامية، لا يشكل عند الداعين إليه مشروع إنقاذ واسترداد هوية فحسب، وإنّما يمثل أمانة ثقيلة يجب أداؤها، ومسؤولية عظيمة ينبغي تحملها. والأدلة العقلية والنقلية كثيرة على ضرورة الحكم بما أنزل الله تعالى وإعلاء كلمته وتطبيق شرعه وإصلاح أرضه.