ـ(474)ـ بخطورة التماهي مع القيم الوافدة وما تؤدي إليه من استلاب وفقدان الهوية والأصالة، مع ان الوقائع التاريخية اللاحقة أثبتت بما لا يقبل الجدل جدية هذه المخاوف، وآثارها المرعبة في حياة الجماعة المسلمة. بل الملاحظ ان الفريق الأول ظل يلوك خطاب من سبقوه المشحون بالتهم والتجني دون ان يكلف نفسه قراءة التجربة واستخلاص العبر منها. لقد وجدنا ومنذ عام 1914 م ـ وهو عام سقوط الدولة الإسلامية العثمانية ـ ولحد الآن، ان الفريق الذي يتوجس خيفة من استبداد الخليفة السلطاني قد أوقع الأمة في استبداد افضع، وهو استبداد(النخبة)، ثم أخضعها بعد ذلك إلى تعسف الديكتاتوري الذي يطل على جنح دبابة في ليل مظلم ليستولي على مقاليد البلاد والعباد، ثم أدخلها في عسف الحزب الواحد، وجور العشيرة المتخلّفة وأخيراً في فرعونية الفرد الواحد وأسرته. أولئك الذين لم ينجحوا لا في الحفاظ على الوطن الصغير ولا كسب الوطن الأكبر. وخلال ثمانين عاما، لم يحص الوعي الشعبي وهو يراقب التجربة بخوف وحذر، سوى المزيد من الخسائر والانكسارات والهزائم المنكرة على جميع الأصعدة والمستويات، حتى أصبح جديرا ان نقول: ان من حق اتباع الفريق - الأول فضلاً عن غيرهم- ان يتمردوا على نخبهم وخلفائهم الديكتاتوريين، لأنهم قدموا أداء مشينا أكثر سوءاً من أداء النموذج الذي تخوفوا منه، فقد كان النموذج السلطاني مستبداً حقا لكنه كان - وعلى الأقل - محترما من قبل أعدائه، وكان متخلفاً في أدائه ومعالجاته، إلا أنه كان متشددا في حقوق بلاده فلم يبع فلسطين ولم يساوم على الجزائر أو المغرب العربي.. الخ ومن حق الفريق الثاني ان تتعمق مخاوفه وتزداد مراراتها سواء من العدو الأكبر(الاستكبار والإمبريالية) أو من السلاطين الجدد الذين أضاعوا الهوية ولم يكسبوا الحداثة، وضحّوا بالوحدة ولم يكسبوا القطرية