ـ(470)ـ ثم ان هذه الظاهرة(الحكومة والدولة) بدا يتعمق وجودها وتزداد الحاجة إليها كلما اتسعت هذه المجتمعات وتعددت مطاليبها حتى عدّت الدولة حاجة طبيعية وضرورية تقتضيها الفطرة وتحث على وجودها الحركة الاجتماعية. يقول أرسطو:(ان الدولة من عمل الطبع، وان الإنسان بالطبع كائن اجتماعي، وان الذي يبقى متوحشاً ـ بحكم النظام لا بحكم المصادقة. هو على التحقيق إنسان ساقط، أو إنسان أسمى من النوع الإنساني)(1). وقد تزامنت ظاهرة الدولة الصالحة(أي مهمة حل الاختلافات والتعقيدات البشرية المستجدة وفق معايير العدل والأنصاف عوضاً عن الأعراف والتوافقات البسيطة) مع ظاهرة النبوة زمنيا وسببيا. فكان الأنبياء عليهم السلام هم أول من سعوا إلى إرساء قواعد حكومة "القسط" من أجل الاحتكام أيها والى معاييرها الربانية في حل الاختلافات الحاصلة في المجتمع. ان مرحلة ? وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً? تكن لتستبطن خلافات سياسية أو عقائدية أو اقتصادية أو اجتماعية حادة، وبمستوى يهدد وحدة الأمة ويقلق أمنها ونسيجها الاجتماعي، وإنّما ابتدأ الاختلاف ?فَاخْتَلَفُواْ? حينما شهد المجتمع تطورات نوعية في الفكر، وفي الانفتاح على استثمار الطبيعة، فكان من نتائج ذلك إيجاد التفوق والسيادة كمعطى للتطور الفكرية وإيجاد الوفرة الاقتصادية كمعطى لاستثمار الطبيعة، الأمر الذي أدى إلى الاختلاف وتشابك المصالح، وقد اقتضى نزوع(التفوق) إلى التسلط والاستعلاء، ضرورة التربية والتهذيب لمنع التجاوز والعدوان، بينما اقتضى نزوع(الوفرة) إلى الاستئثار والاستثمار غير المشروع، ضرورة التوزيع العادل، وتنظيم ___________________________ 1 ـ السياسة ـ ترجمة احمد لطفي ـ ص 96.