ـ(460)ـ وهنا يتكامل لدينا الرد الحاسم والجواب التام على الشبهة التي حاول أنصار الديمقراطية العلمانية إلصاقها بالحكم الإسلامي من أنه ينتهي إلى الاستبداد والدكتاتورية، وذلك في إطار ادعائهم بأن مثل هذا الحكم الديني يعني الالتزام بالثيوقراطية، التي تقول بأن السلطة الحاكمة هي التي تستمد سلطتها وقدرتها على الحكم من الله تعالى وتضفي القدسية على أوامرها ونواهيها من قدسيته، لذا فحكمها مطلق لا منازع لـه ولا رادع، ومن ثم فهي مصونة من أي حساب، فالراد عليها راد على الله وهو على حد الشرك به، وهل هذا إلا أشد أنواع الاستبداد والديكتاتورية؟! فمما اتضح لنا سابقا ان هناك أمرين أساسيين قائمين في نظرية الحكومة الإسلامية ينفيان بشكل قاطع ورود هذه الشبهة مطلقاً: الأمر الأول: كون التشريع لله تعالى وهو العالم بكل شيء دون الإنسان، وما يمارسه الإنسان ليس إلا الاجتهاد في استنباط الأحكام الإلهية من مصادرها الشرعية وتنقيح موضوعاتها الخارجية، وبذلك يتحقق أول شروط السلامة من أهواء الاستبداد والديكتاتورية الإنسانية في الحكم. الأمر الثاني: ان الله سبحانه لم يترك أمر منصب الحكم تتحكم فيه الأهواء الإنسانية التي غالبا ما تقوم على أساس القهر والغلبة اللذين هما قواما أية ديكتاتورية واستبداد في الحكم، بل وضع شروطا أساسية لابد من توفرها في الحاكم حدوثا وبقاء ليكون صالحنا لمنصب الحكم والولاية في الإسلام. وعمدة هذه الشروط ـ كما أسلفنا ـ هي الفقاهة والعلم بالشريعة، والعدالة والاستقامة عليها، والعزم والكفاءة في حمل رسالته سبحانه والحكم وعلى ضوئها. وللأمة الإسلامية الراشدة مراقبة مدى توفر الأمة الإسلامية الغابر والمعاصر حافل بشواهد المواجهة المختلفة، خصوصاً تلك التي قادها أئمة أهل البيت عليهم السلام واتباعهم من العلماء المجاهدين ضد الحكام المنحرفين عن الإسلام.