ـ(459)ـ عن حسم هذه المشاكل ورفع صور التهافت عن مبانيها وبنائها، على أن أصل هذه المشكلة يمكن في عجز الإنسان ـ فردا أو مجتمعا ـ عن تشخيص المصالح والمفاسد الواقعية في مجالات حياته الخاصة والعامة، فكيف يمكنه إصابة الاصلح في السلطة والولاية على صعيدي الصواب في التشريع والعدالة في التطبيق؟ ! والتجربة الإنسانية الوضعية طرّاً بكل انتكاساتها وصراعاتها وما تحملته من آلام ومعاناة وشقاء إلى يومنا هذا دليل صارخ وشاهد حي على ذلك. أما في الإسلام فلأن المشرع والحاكم المطلق هو الله تعالى وهو العالم بمصالح ومفاسد الحياة الإنسانية فلا وجود لهذه المشكلة؛ فهو العادل الذي خلق بالحق وقدر بالحق وشرع بالحق وأعطى كلا حقه بلا حيف ولا ظلم، وعندما يرسل رسله لتبليغ تشريعاته للناس يصطفي الصادق الأمين، وعندما يعين حاكما عليهم يختار الأعلم بتشريعاته وذا العدالة الأوثق في الاستقامة عليها وصاحب العزم الأكفأ في حمل رسالته وتطبيقها في حياة الناس. لذا فان التشريعات والقوانين الصالحة للبشرية مضمونة من الله لعلمه سبحانه بمصالح ومفاسد الحياة، وعامل العدالة والكفاءة في تحقيق المصلحة العامة عند التطبيق شرط أساسي جعله الله ـ منظما إلى شرط العلم والفقاهة بشريعته ـ في كل حاكم يلي أمور الناس، وبذلك تتكامل الشروط ويتحقق الأمران الضروريان المسوغان لاقامة أية حكومة وبسط سلطانها على الناس؛ فالمصدر المشروع الذي تستمد منه سلطتها وولايتها على الناس هو الله سبحانه لكونه الكمال المطلق، إذ الأصل ان لا ولاية لأحد على أحد إلا بمرجّح، فكيف إذا كان الإنسان محض الافتقار، والله سبحانه ذاته عين الكمال المطلق. كما ان العلم والفقه بالشريعة الإلهية والعدالة والاستقامة عليها هو الضمان لسير الحاكم وحكومته وفق المصالح الاجتماعية ونهج العدل الإلهي في واقع المجتمع.