ـ(453)ـ ومقولاتها التي لا تتفاوت كثيرا في إنكارها ورفضها للدين ودوره في بناء الإنسان والمجتمع والدولة على أسس الحق والعدل. والعلمانية ـ كما هي مبانيها ـ بين حدين في نظرتها إلى الدين؛ ففي حدها المتطرف الأول تنكر الدين وتقيم نظريتها على أساس الإلحاد المطلق، وفي حدها المتطرف الثاني تحاصر الدين وتجرده من هويته الاجتماعية، بل والإنسانية، وتجعله مجرد تصورات ذهنية محضة وحالة ذاتية محاصرة في الباطل، إذ ليس لـه أية مصداقية واقعية تعبر عن إيمان الإنسان به، وليس لـه أي انعكاس ملموس ومحسوس في سلوكه كإنسان اجتماعي والديمقراطية ـ كنظرية سياسية تأسست على ضوء مقولة العقد الاجتماعي لـ"جان جاك روسو" في إقامة السلطة والحكومة في الواقع الإنسان ـ تقع في الحد المتطرف الثاني من صور العلمانية التي نادت بها أوروبا أبان الثورة الصناعية. ولقد أخذت العلمانية بريقها وموقعها في أوروبا لعاملين رئيسيين أحدهما سلبي والآخر إيجابي: أما العامل السلبي منهما فهو الدكتاتورية المطلقة التي حكمت أوروبا قرونا بما فيها دكتاتورية الكنيسة وهيمنتها باسم الدين والرب، التعسف البشع لرجالاتها في مواجهة التجديد والإبداع العلمي والحرية الفكرية والثقافية، وما رافق ذلك من اضطهاد للعلماء والمفكرين وسفك لدمائهم لمجرد اكتشافهم حقائق أو وصولهم إلى نظريات علمية مخالفة لنظريات الكنيسة. وأما العامل الإيجابي فقد تمثل بالثورة الصناعية التي قلبت موازين التفكير الأوروبي ـ خصوصاً تجاه الكنيسة ـ الذي ظل متحجرا على العديد من النظريات العلمية الباطلة والمقولات الخرافية المتخلفة، أثبتت الثورة الصناعية وما رافقها من اكتشافات علمية خلافها، وحطمت قدسية الكنيسة ومقولاتها، معلنة ـ كرد فعل على منهج الكنيسة ـ ألوهية العلم في منهجه التجريبي المادي، وأنه المقياس الأوحد في