ـ(427)ـ مانعا من ممارسة هذا الفصل بين السلطات أو الوظائف، وخصوصا وظيفة التشريع التي كان أساسها القرآن الكريم، وبيان النبي محمد صلّى الله عليه وآله وسلم، ثم الفهم الفقهي الذي مارسه علماء الأمة وأئمتها وفقهاؤها. وكذلك وظيفة القضاء التي عرفت استقلالا عن إرادة الحاكم ورغباته، والتي خضع الحاكم لها عندما كان طرفا أو خصما، وأهم دليل على خضوع الحاكم ورضوخه لحكم القضاء المنفذ لنصوص الشريعة، حادثة فتح مدينة سمرقند في آسيا الوسطى، التي دخلها الجيش الإسلامي دخولا لم يكن متوافقا مع الأحكام الشرعية، في الفتح أو الحرب، حيث أخذ أهلها على حين غرة. فاشتكوا إلى الخليفة الذي أحال الأمر على القاضي الذي حكم لأهل سمرقند بمطالبهم وقضى حكمه بانسحاب الجيش الإسلامي إلى مواقعه التي كان فيها قبل دخوله المدينة واعتماد الأسلوب الشرعي في الفتح(1). ولاشك في ان عددا كبيراً من الخلفاء أو الحكام، لم يكونوا يراعون أحكام الشرع وكانوا يمثلون حالة الطغيان، مستخفين بالشرع وأحكامه، ولكن الخروج على أحكام الشرع، لا يعني نقصا أو عيبا في أحكامه، إنّما قد يكون بسبب عدم وجود آلية منظمة ومعترف بها، وهذا ما يجب العمل لإيجاده في العصر الحاضر، وعلى فقهاء القانون الدستوري يقع عبء القيام بهذه المهمة، مستفيدين في ذلك من قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، وما أوجدته من قواعد دستورية، ومن تجربة يجري خوضها في السودان، واحترام متزايد يحظى به الفقه الإسلامي بكل فروعه وتشعباته، خصوصا على صعيد المبادئ التي تتعلق بالدولة والدستور من قبل الأبحاث العلمية الفقهية والقانونية والدستورية، التي تشهدها الجامعات في العالم. ويجب التنبه إلى ان صلاح حاكم في عصر من العصور ليس ضمانة للشعب، ذلك ___________________________ 1 ـ نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي، الكتاب الأول، الحياة الدستورية، ص 404.