ـ(426)ـ الأسباب الموجبة للأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات: ان مبدأ فصل السلطات الذي عرفته الغربية في اواخر القرن الثامن عشر على يد المصلح والمفكر الفرنسي مونيسكيو، والذي وجدنا ان أرسطو، قد نبه إليه، وطبق عمليا في الشريعة الإسلامية ليس هدفا بحد ذاته وإنّما هو وسيلة، تتجنب بها الشعوب طغيان الحكام. لقد عاشت الشعوب الأوروبية طغيان الحاكم الفرد وتسلطه واستئثاره بالسلطة دون ان يكون لـه رادع، من قانون أو ضمير، هذا الحاكم الذي كان يستند في طغيانه ومصادرته لحقوق الشعب وحريته إلى تفويض الهي مزعوم، يدعي به أنه ظل الله على الأرض. لذلك سعى العقلاء والحكماء والمصلحون، إلى هذا التدبير، للحد من تعسف الحكام وجورهم. الذين كانوا يملكون حق وضع الشرائع وتنفيذها وتعديلها كلما دعت مصلحتهم لذلك. فنادى المصلحون والمفكرون بضرورة فصل التشريع عن التنفيذ بجعل كل وظيفة بيد سلطة تكون مستقلة عن الأخرى ـ غير خاضعة لتأثيرها. وقد أدى القول بمبدأ فصل السلطات أو الوظائف في الدولة إلى القول بمبدأ آخر هو مبدأ رقابة السلطات، بعضها على الأخرى، وهو يعطي ضمانة للشعب، بأن كل سلطة وهي تمارس وظيفتها، تكون تحت مجهر النقد والتقويم وعين الملاحظة والمحاسبة. خصوصا وان الرقابة ليست رقابة نظرية، وإنّما هي رقابة مقترنة بصلاحيات المساءلة والمحاسبة، والتقويم، عبر إعطاء السلطة الإجرائية حق حل السلطة التشريعية وإعادة انتخابها، وعبر إعطاء السلطة التشريعية حق حجب الثقة عن السلطة الإجرائية الممثلة بالحكومة وإسقاطها. ان الشريعة الإسلامية التي حملت في ثناياها، منذ يومها الأول مبدأ الفصل بين وظائف الدولة، دون ان يأخذ هذا المبدأ شكل النص الدستوري الواضح، لم يكن ذلك