ـ(405)ـ من يقول ان الإله هو مصدر السيادة وبين من يعتبر ان الأمة أو الشعب هو المصدر، على اختلاف أيضا في الفهم والتأويل. فأنصار الحكم الملكي الاستبدادي يعتبرون ان مصدر سلطة الملوك، هو الله، وانهم إنّما يحكمون بتفويض الهي، وتظهر هذه النظرية من خلال المرسوم الذي أصدره الملك لويس الخامس عشر سنة 1770، والذي جاء فيه ما نصه: "لا نملك تاجنا إلا من الله... والحق بوضع القوانين إنّما يعود إلينا وحدنا، بدون مشورة ولا إشراك"(1). وخلال الحروب الدينية في أوروبا في القرن السادس عشر، بدأت مقولة ان الشعب هو صاحب السيادة، وان الشعب يمنح هذه السيادة أو يتنازل عنها للملك، وله الحق في مراقبته، ونزع السيادة، وان الشعب يمنح هذه السيادة أو يتنازل عنها للملك، وله الحق في مراقبته، ونزع السيادة منه. وهنا كانت بداية التحول نحو الملكية الدستورية، ثم خرج جان جاك روسو بفكرة العقد الاجتماعي، واستنتج ان صاحب السيادة هو الشعب بأسره، وبدون تفريق بين أفراده، لأن الشعب يضم كل الذين رضوا بالعقد الاجتماعي، بإنشائه، وبقائه على مدى الدهور، وذلك انحدارا من آبائهم وأجدادهم(2). وقد اختلف فقهاء الإسلام كما اختلف سواهم حول مصدر السيادة فمنهم من قال ان الله هو مصدر السيادة حيث اعتبر السيد محمد باقر الصدر ان الله سبحانه وتعالى هو مصدر السلطات جميعاً، وهذه الحقيقة الكبرى، تعتبر أعظم ثورة شنها الأنبياء ومارسوها في معركتهم من أجل تحرير الإنسان من عبودية الإنسان. ويرى السيد الصدر ان هذه السيادة لله تعالى، دعا إليها الأنبياء تحت شعار "لا اله إلا الله"، تختلف اختلافا أساسيا عن الحق الإلهي، الذي استغله الطغاة والملوك والجبابرة، قرونا طويلة من أجل السيطرة على الآخرين(3). ___________________________ 1 ـ الوسيط في القانون الدستوري العام. د. ادمون رباط ـ الجزء الأول ص 291. 2 ـ المصدر السابق. 3 ـ الإسلام يقود الحياة، السيد محمد باقر الصدر. ص 17 ـ 18.