ـ(387)ـ ذلك، ان الذين شملهم حكم القتال فيها، كانوا ـ بتعبير معاصر يشكلون طابوراً خامساً في المجتمع الإسلامي، يتجسسون لحساب الأعداء، ويسعون إلى الفساد والإفساد، فوضعهم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم أمام خيارين: إما إظهار الإسلام أو القتال، وكان بإمكانهم وقتذاك أن يهاجروا من الجزيرة العربية قبل انتهاء المدة المحددة أي بعد انسلاخ الأشهر الحرم. يقول مؤلف التفسير الكاشف في معرض تفسيره لسورة براءة: "ان هذه السورة نزلت في العام التالي للفتح، حيث عظم أمر الإسلام، وانتشر في الجزيرة العربية كلها،كانت لـه الكلمة العليا، ومع ذلك بقي للشرك جيوب في بعض قبائل العرب، وكيلا تكون هذه الجيوب طابوراً خامساً في المجتمع الإسلامي أمر الله نبيه ـ في هذه السورة ـ أن يعلن البراءة من المشركين، وبالأصح أن ينذر بالحرب كل مشرك يقيم في الجزيرة العربية، حتى يقول: لا إله إلاّ الله، ويدخل فيما دخل فيه الناس.. وقد وصفهم عظمت صفاته أولاً باللؤم الشراسة، لأنهم لو قدروا على المسلمين لفعلوا بهم الأفاعيل في غير مراعاة لعهد ولا لإنسانية،وصفهم ثانية بالنفاق وانهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وثالثاً وصفهم بالفسق،كل صفة من هذه الثلاث تقضي عليهم بأشد العقوبات، وبإسقاطهم من جميع حقوق الإنسانية، لا من جهة الوفاء لهم بالعهد فقط فكيف إذا اتصفوا بالرذائل الثلاث مجتمعة !"(1). لقد تضمنت سورة "التوبة" أحكاماً نهائية في العلاقات بين المسلمين والمشركين، كشفت بما لا يدع مجالاً للشك ان مصلحة المجتمع الإسلامي قد تستدعي في ظروف معينة أن لا يكون فيه مشركون، لأنهم يسعون في الأرض فساداً وهو أمر لا ينسجم مع المجتمع الإسلامي الذي يشيد قواعده على الحق والعدل والفضيلة. وكان هذا الحكم خاصاً بمشركي الجزيرة آنذاك، وليس فيه دلالة على أن الأصل الذي يحكم علائق المسلمين مع ___________________________ 1 ـ التفسير الكاشف: الشيخ مغنية ـ المجلد الرابع ص 9 ـ 13.