ـ(385)ـ يُعيدوا حساباتهم، ويسعى قدر الإمكان إلى تجنب الحرب وويلاتها. وكتب السيرة تروي لنا بأن المسلمين عندما وصلوا إلى تبوك، وعلموا أن الرّوم قد انسحبوا منها إلى داخل بلادهم. حينئذ آثر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم الانسحاب وكان بإمكانه تعقيب ومطاردة قوات الرّوم المنسحبة، وإيقاع الخسائر الفادحة في صفوفها، وما أيسر القتال مع عدو منسحب. ضمن هذا السياق، الذي استخدم فيه الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم مبدأ الرّدع أو التلويح باستخدام القوة، نجد أنه صلّى الله عليه وآله وسلم: "يقتصر في حروبه على أقل قدر ممكن ترتفع به الضرورة، ويلتزم بضبط النفس الكامل والواعي حتى في أحلك اللحظات وآخرها. ولهذا لم يستطع الباحثون إيصال القتلى في حروب النبي صلّى الله عليه وآله وسلم طيلة عشر سنين، والتي تُعد بعشرات الحروب والسرايا، لم يستطيعوا إيصالها إلى الألف قتيل. رغم أن هذه الحروب كانت تتجه نحو تهيئة الجو لبسط النفوذ الإسلامي على مختلف أرجاء الجزيرة العربية ويتعداها إلى غيرها مما حولها"(1). و عودة إلى أصل المطلب، لقد أراد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بمكاتيبه إلى الملوك والأباطرة أن لا يقفوا حجر عثرة في سبيل الدعوة وان لا يقوموا بأي عدوان مستقبلي على الدولة الإسلامية الفتية التي شكلها في المدينة. و لقد ركز على حكام الدول وقادة القبائل لان الناس تبع لزعمائهم في معظم أمورهم. و من يتمعن في رسالة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم إلى حاكم آيلة "يوحنا"، يلاحظ حرصه صلّى الله عليه وآله وسلم على استتاب الأمن الدولي وأهمية حماية الملاحة البحرية. ففي هذه الرسالة أعطى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم العهد من جانب الله ورسوله إلى يوحنا ابن روبه" وأهالي آيلة أنهم وسفنهم قوافلهم البحرية والبريّة في أمان الله ورسوله والذين يمرون من تلك المنطقة قادمين من الشام ___________________________ 1 ـ انظر: المنهج الحركي للسيرة النبوية ـ منير الغضبان ـ القسم الأول ص 133.