ـ(384)ـ منذ صدر الإسلام. وان القرآن الكريم قد أشار إليه وان لم يطلق عليه ما اصطلح عليه اليوم بـ "الرّدع" بل أطلق عليه مفهوم "الرّهبة". و من يتدبر عميقاً في قولـه تعالى: ?وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ?(سورة الأنفال: 60). يجد أن إعداد القوة في الإسلام من أجل إرهاب وردع الآخرين عن التعرض للمسلمين وليس إعداد القوة هدفاً بحد ذاته. فالآية الآنفة الذكر تقول: "ترهبون" ولم تقل "تحاربون" أو "تدمرون" وما شابه ذلك من ألفاظ، وفي ذلك إشعار واضح على المدعى. و في هذا الصدد يقول صاحب التفسير الكاشف ما يلي: "و نقف قليلاً عند قولـه تعالى: "تُرهبون به عدوّ الله وعدوكم" لأنه ينطوي على مبدأ يحفظ المجتمع الإنساني من الفوضى، ويرّدع الطغاة الأقوياء من التلاعب بحياة الناس واستغلالهم وهذا المبدأ هو وجود قوة في قبضة أهل الحق والعدل يردعون بها أهل الظلم والباطل، ويخضعونهم لحكم الله وشريعته، التي تدعو الناس جميعاً أن يعيشوا طبقاً لقانون الحياة وسننها ولا ينحرف عنها أحد، فإذا راودته نفسه بالميل والانحراف أرغمته القوة على الرّجوع إلى تلك السنن والقوانين"(1). تجدر هنا الملاحظة إلى أن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم قد استهدف في كل غزواته تحطيم معنويات أعدائه أكثر مما يستهدف تحطيم قواهم المادية، لأنه كان يطمح ـ دائما في عودة أعداءه إلى طريق الحق السَّوي، كان يحرص على حياتهم من أجل هدايتهم وكثيراً ما كان يردد عندما يشتد أذى قريش لـه "اللّهم اهدِ قومي فانهم لا يعلمون". و هكذا نجد أن الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلم كان يلوح باستعمال القوة من أجل ردع أعدائه حتى ___________________________ 1 ـ التفسير الكاشف ـ الشيخ مغنيّة ـ ج 3 ص 500 ـ 501.