ـ(383)ـ 1 ـ مكاتيب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الرؤساء والملوك لغرض الدعوة إلى الإسلام، فليس في لحن هذه الرسائل ما يدل على الحرب والملاحظ أن أغلب هذه الرسائل تبتدأ بعبارة: "أدعوك بدعاية الإسلام" ولكونه صلّى الله عليه وآله وسلم لم يكن بصدد الدعوة إلى الحرب، لم يرتب على فرض عدم الاستجابة إلاّ ثبوت الإثم. نجد ذلك واضحاً في رسالته لقيصر الرّوم: "فإن توليت فعليك إثم الاريسيين". و أيضاً نجد ذات العبارة في رسالته لكسرى: "فإن أبيت فعليك إثم المجوس". و أيضاً في رسالته إلى ملك مصر: "فإن أبيت فعليك إثم القبط". أمّا بخصوص عبارة "أسلم تسلم" التي ضمنها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم بعض مكاتيبه، فليس فيها ما يدعو إلى الحرب حتى ان البعض حمل هذه العبارة على السلامة من عذاب الآخرة خاصة. وان كانت العبارة ـ في الظاهر ـ لا تخلو من تهديد مبطّن باستعمال القوة، ويمكننا حمل هذه العبارة على "مبدأ الردع" بصفته أحد مبادئ السياسة الخارجية في الإسلام. علماً ان هذا المبدأ ذاع صيته واشتهر في العلاقات الدولية في أعقاب ما يطلق عليه بالحرب الباردة بين الدولتين الاستكباريتين: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي قبل انحلاله، عندما غدا من المتعذر على أحدهما استعمال أسلحته التدميرية ضد الطرف المقابل خوفاً من المقابلة بالمثل وهو معناه التدمير المتبادل وحينئذ يرتدع الطرفان عن استخدام الفعلي لأسلحتهما خوفاً من العواقب المحتملة في حرب لا تبق ولا تذر. يقول هنري كيسنجر، أحد مهندسي السياسة الأميركية في أعقاب الحرب الباردة: "تستند سياسة الرّدع على مقاييس سيكولوجية إذ تستهدف منع العدوان من خلال إقناع المعتدي بالمخاطر التي يحتمل أن تصيبه"(1). و عندما بحثنا في مصادرنا المعرّفية، وجدنا ان لمفهوم الرّدع هذا جذوراً تاريخية ___________________________ 1 ـ انظر كتاب: مفهوم السياسة الخارجية الأمريكية ـ لكيسنجر ص 23.