ـ(151)ـ فيها من رصيد لهذا الإخصاب، وتتبرج روحها لتلقيه، وتتفتح من الأعماق. والبحتري حين يقول: آتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا $$$ من الحسن حتى كاد ان يتكلما قد يخيل للكثيرين أنه إنّما أراد تشبيه الربيع بإنسان يضحك، على سبيل التشبيه لا على سبيل "الواقع". وهكذا يقول البلاغيون، لأن الواقع الظاهر يمنع أن يختال الربيع ضاحكا. ولكن الحقيقة الأكبر من الواقع الظاهري، أن الربيع يختال ضاحكا في حقيقته. فما الضحك؟ أليس هو إطلاق طاقة فائضة بطريقة حسية؟ وماذا يصنع الربيع إلا أن يطلق طاقة حيوية فائضة في الأرض وأبنائها الأحياء ! أنها حقيقة. ولكنها هنالك في الأعماق !". وإذا ضرب "سيد" لنا أمثلة من ابن الرومي والبحتري، فنحن نقدم مثالاً للعمل الأدبي من "ظلاله"، فهو سفر أدبي رائع في كلام الله سبحانه. لقد عاش مؤلفه مع القرآن من خلال تجربة شعورية، ابتعد فيها عن إفرازات المنطقة الباردة من التفكير، وتجاوزها إلى المنطقة الحارة من الشعور، ومن هنا جاء تفسيره طافحا بالحركة والحياة والتأثير. لا يقول درست القرآن، بل يقول عشت القرآن: "لقد عشت اسمع الله ـ سبحانه يتحدث إلي بهذا القرآن... لقد عشت ـ في ظلال القرآن ـ انظر علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض. عشت أتملّى ـ في ظلال القرآن ـ ذلك التصور الكامل الشامل الرفيع النظيف للوجود... عشت ـ في ظلال القرآن ـ أحس التناسق الجميل بين حركة الإنسان كما يريدها الله، وحركة هذا الكون الذي أبدعه الله.. وعشت ـ في ظلال القرآن ـ أرى الوجود أكبر بكثير من ظاهره المشهود..."