ـ(150)ـ والفرق بين العمل العلمي والعمل الأدبي، أن العمل العلمي لا يعبّر عن انفعال شعوري بموضوع من الموضوعات، ولا يتحدث بصورة مؤثرة موحية في السامع، بل أنه يدرس المسألة عن طريق العقل والتجربة العملية، ويتحدث عنها بأسلوب علمي دقيق بعيد عن العاطفة والخيال، ويستهدف معالجة مسألة فكرية وطبيعية أو اجتماعية أو سياسية. أما العمل الأدبي فهو تعبير عن انفعال شعوري يكتمل في نفس الأديب وهو يمرّ بتجربة من تجارب الكون والحياة وقضايا الإنسان، بشكل مثير للانفعال في نفوس الآخرين. وقد يخيل لبعض ان هذا الفرق يجعل العمل الأدبي يعيش في عالم بعيد عن الحقيقة والواقع، وليس الأمر كذلك، بل أنه يعني أن تصبح الحقائق شعورية، تتجاوز المنطقة الباردة إلي المنطقة الشعورية الحارة.. ان للأدب حقائقه الأصيلة العميقة، وأنه لا يتجاوز منطقة الحقائق حتى ولو شطّ به الخيال. حتى الأدب الأسطوري يعبر عن حقائق المثل التي تعيش في نفس الإنسان. والخيال الشعوري عند الشعراء قد يبدو في بعض الأحيان لأول وهلة مخالف للحائق العلمية، ولكنه على بعد معيّن يلتقي مع حقيقة أخرى أكبر وأعمق من هذه الحقيقة الظاهرية القريبة. يضرب المرحوم سيد قطب لذلك أمثلة فيقول:(2). ,ابن الرومي مثلا حين يقول عن الأرض في الربيع: تبرجت بعد حياء وخفر $$$ تبرج الأنثى تصدت للذكر يبدو هذا القول خيالا شاعرياً يخالف الحقيقة العلمية. فالأرض مادة جامدة والأنثى حية متحركة. ولكن الحقيقة الأعمق، أن الأرض في الربيع بكل ما فيها من الحياة والأحياء تستعد للإخصاب في جميع عوالمها: عوالم النبات والحيوان والإنسان. وتتهيأ بكل ما