ـ(142)ـ ما هو المطلوب الواجب عند وجود الخلاف في الرأي والتنازع: قال الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً?(سورة النساء: 59). معنى(أولي الأمر) في الآية هم العلماء الفقهاء، قال القرطبي في تفسيره(5: 259): "قال جابر بن عبدالله ومجاهد(أولو الأمر) أهل القرآن والعلم وهو اختيار مالك رحمه الله، ونحوه قول الضحاك قال: يعني الفقهاء والعلماء في الدين". وقال بعد ذلك أيضا: "أمر الله تعالى برد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلم وليس لغير العلماء معرفة كيفية الرد إلى الكتاب والسنة، ويدل هذا على صحة كون سؤال العلماء واجبا وامتثال فتواهم لازما"(1). فلذا يجب شرعا على من رأي خلافا أن لا يعتزل الأمر وأن لا يبعد عنه، بل يجب عليه أن يعرف قول كل من المختلفين وأن يجتهد في معرفة الحق حتى يقولـه ويبدي رأيه فيه ويقوم بالاصلاح أن كان مطلوبا شرعا، فإن كان الحق مع أحد المختلفين وجب أن يناصره ويقف معه، وإذا كان الحق ليس معهما فيجب عليه أن يبين لهما الحق بأي وسيلة يراها ناجحة وصواب، ثم أن اذعنا للحق فيجب عليه أن يصلح بينهما. والدليل على ذلك قولـه تعالى ? وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ? ولا يتم الصلح إلا بعد فهم القضية الدائرة بينهما ومعرفة الحق فيها، وبعد معرفة المحق من المبطل ?... فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ...? ___________________________ 1ـ وانظر تفسير الفخر الرازي "مفاتيح الغيب"(مجلده جزء 10: 148) وما بعدها.