ـ(128)ـ بينما لا نجد هذا أو هو أخف مما يعانيه أهل السنة عند بقية مذاهب الأمة أو فرقها الأخرى الموجودة في الساحة اليوم كالشيعة والزيدية والأباضية. وإنني أرد الأمر هنا إلى قوة التأثر بالاستعمار الفكري أكثر من غيرهم من المذاهب الأخرى التي ذكرناها حتى انقلبت المقاييس عندهم فصارت شهادات الدكتوراه الخارجة من الجامعات ـ المهيئة لتلقي العلم على الطريقة الأوروبية ـ هي المقياس العلمي الذي يقيم الإنسان به هل هو عالم أم لا؛ وهذا خلاف غيرهم من الفرق إذا لا يعتدون إلا بقيمة الإنسان العلمية الحقيقة، ونحن لا نتكلّم على الأمر من ناحية النظر إليه من جهة التعيينات الحكومية أو الوظيفة الرسمية فحسب بل أيضاً من جهة اعتباره عند الأفراد وطبقات المجتمع. فالعلم أولا في الإسلام بشكل عام هو المشتغل بفنون الشريعة تلقياً من العلماء والأشياخ وبحثا في الكتب والمصنفات لغاية التعلم وطلب رضا المولى سبحانه لا لقصد وظيفة أو رتبة أو معاش يتقّوت به، وهذا موجود اليوم وباق ولو بنسب مختلفة عند فرق الإسلام جميعها، فلو قلنا بوجوده عند أصحابنا فهو ضعيف جدا ولم يسر على هذه الطريقة المنيفة إلا أفراد قلائل. ثم أن مما زاد الأمر تدهوراً كما يقال وزاد في تسبيب التأخر والفرقة في العالم الإسلامي أن كثيراً من المسلمين قد مالوا سواء العامة والعلماء إلى التقليد ونبذ الاجتهاد والعقل الذي هو مناط التكليف الشرعي وأساسه فصارت نسبة استخدام العقل والنظر ضعيفة جدا أو معدومة عند البعض وإذا ادعاها بعضهم فإنما هو نظر واجتهاد وأعمال العقل في الاستنباط من أقوال العلماء لا من النصوص الشرعية مع عدم الإحاطة بالوجه المطلوب بنصوص الكتاب وعدم معرفة تنقية السنة ومعرفة صحيحها من ضعيفها سواء بالنظر إلى الإسناد أو المتن جميعاً، وهذا هو التقليد بعينه الذي لم يخرج صاحبه من دائرته وهو يتوهم في نفسه الاجتهاد والمعرفة والنظر