ـ(99)ـ العرب ولغتهم، وللتدبّر في أُسلوب القرآن الكريم وموارد استعماله وقراءتها دخل كبير في ذلك، وأمّا محض الركون إلى آحاد اللغويين تعبّداً بكلامهم وتقليداً لآرائهم فذاك ممّا لامساغ لـه، فإنّ الأغلب أو الغالب ممّا يستندون إليه في أقوالهم ما هو إلاّ الاعتماد على ما يحصلونه بحسب إفهامهم وتتبّعهم لموارد الاستعمال مع الخلط للحقيقة بالمجاز، وعدم التثبت بالقرائن ومزايا الاستعمال. من شواهد ذلك قول جماعة من المفسّرين في تفسير قولـه تعالى: ?إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ?(1) قالوا أي مميتك، وذلك أخذاً بقول اللغويّين حيث جعلوا الإماتة في معنى التوفي، وكأنّهم لم يمعنوا النظر إلى مادّة التوفي واشتقاقه، ومحاورات القرآن الكريم والقدر الجامع بينها. فاتّضح لهم أنّ معناه الأخذ والاستيفاء وهو يتحقّق بالإماتة وبالنوم وبالأخذ من الأرض وعالم البشر إلى عالم السماء. هذا، ولا يخفى أن القرآن ناطق بأنّ المسيح ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم ورفعه الله إليه(2)، وأنّ عقيدة المسلمين كإجماعهم على أنّه لم يمت بل رُفع إلى السماء إلى أن ينزل في آخر الزمان، ومن هنا التجأ بعض مَن فسّر التوفّي بالإماتة إلى أن يفسّر قولـه تعالى: ? يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ? أي مميتك في وقتك بعد النزول من السماء، ولكنّه لا يلائم قولـه سبحانه- حكاية لقول عيسى-: ?مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ?(3). القاعدة الخامسة: علوم التصريف والنحو والاشتقاق: أمّا التصريف، فلأنّه تُعرف به الأبنية والصيغ؛ قال ابن فارس: ومن فاته علمه ________________________________ 1ـ سورة آل عمران: 55. 2ـ ?وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ? سورة النساء: 157. 3ـ سورة المائدة: 117.