ـ(96)ـ لهداية الإنسان إلى سبل السلام وسعادة الرضوان، ومقتضى قانون السنخية بين الفيض والمستفيض هو أن يوجد المفسّر أرضية صالحة في نفسه حتى تحصل لـه أهلية الاستفاضة من القرآن وتعاليمه السامية، وهذا الشرط هو ما عناه المفسّرون بعلم الموهبة؛ يقول جلال الدين السيوطي- وهو يبيّن شروط التفسير-: الخامس عشر علم الموهبة، وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم، وإليه الإشارة بحديث "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم"، وفي هذا المعنى قولـه تعالى: ?سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ?(1). القاعدة الثانية: التدبّر في مفاهيم القرآن: إنّ في القرآن دُرراً غالية من المفاهيم والمعارف لا تُنال إلاّ بالتدبّر والتفكّر فيه؛ يقول سبحانه: ?كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ?(2)؛ وقال الرسول صلى الله عليه وآله: "هو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن؛ فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق... فليجل جالٍ بصره وليبلغ الصفة نظره... فإنّ التفكّر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور"(3). والى هاتين القاعدتين أشار الإمام بدر الدين الزركشي بقوله: "أصل الوقوف على معاني القرآن التدبّر والتفكّر، واعلم أنّه لا يحصل للناظر فهم معاني الوحي حقيقة ولا يظهر لـه أسرار العلم من غيب المعرفة وفي قلبه بدعة أو إصرار على ذنبٍ أو كبرٍ أو هوىً أو حبّ الدنيا، أو يكون غير متحقق الإيمان ضعيف التحقيق، وهذه كلّها حجب وموانع ________________________________ 1ـ الإتقان في علوم القرآن 4: 216، والآية 146 من سورة الأعراف. 2ـ سورة ص: 29. 3ـ الأُصول من الكافي، الجزء 2، كتاب فضل القرآن، الفصل 1، الحديث 2.