ـ(92)ـ لشدّة الحاجة إليها؛ فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث؛ أمّا من جهة الموضوع فلأنّ موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كلّ حكمة ومعدن كلّ فضيلة، وأمّا من جهة الغرض فلأنّ الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى، وأمّا من جهة شدّة الحاجة فلأنّ كلّ كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقّفة على العلم بكتاب الله تعالى"(1). وجه الحاجة إلى التفسير: هاهنا يطرح سؤال وهو أنّ من المعلوم أنّ الله سبحانه إنّما يخاطب خلقه بما يفهمونه من الكلام، ولذلك أرسل كلّ رسول بلسان قومه، قال سبحانه: ?وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ?(2). ونزل القرآن بلسانٍ عربيٍّ مبين لا غموض فيه ولا اعوجاج؛ يقول سبحانه: ?قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ?(3). ويقول: ?وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ?(4). وعلى هذا فكيف يحتاج القرآن إلى التفسير والبيان وهو عربي مبين يفهمه كلّ عارف باللغة العربية ؟ والجواب: إن القرآن وإن كان أُنزل بألفاظ عربية يفهم معانيها المخاطبون في عصر صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وكلّ من عرف أوضاع اللغة في غير ذلك العصر، ولكن هناك جهات أُخر لا ترجع إلى فهم ظاهر اللفظ، هي التي تستدعي الحاجة إلى التفسير، ونشير إلى مهمّاتها: 1ـ أنّ للنظم والأُسلوب في اللغة العربية المنزلة الفريدة في إلباس الكلام حلّة ________________________________ 1ـ الإتقان في علوم القرآن 4: 199. 2ـ سورة إبراهيم: 4. 3ـ سورة الزمر: 28. 4ـ سورة النحل 103.