ـ(75)ـ الأول: كونه جامعاً بين الدعوة إلى المادة والروح: إذا غالت المسيحية في التوجه إلى الناحية الروحية، فدعت إلى الرهبانية والتعزب، أو غالت اليهودية في الدعوة إلى ملاذّ الحياة والانكباب على المادة حتى نسيت كلّ قيمة روحية، فالإسلام دعا إلى المادية والمعنوية على وجه يطابق الفطرة الإنسانية، وجعل الفطرة مقياسا للحلال والحرام، وشرع للإنسان ما يسعده في الدنيا والآخرة على ما هو مذكور بالتفصيل في محله. الثاني: النظر إلى المعاني لا إلى الظواهر: الإسلام ينظر إلى المعاني والحقائق لا الظاهر والقشور فيأمر بالأخذ باللب لا بالقشر، وهذا هو السر في خاتميه للدين الإسلامي وتمشيه مع تطور الحياة، ولا يتوهم من ذلك جواز التدخل في التشريع بحجة الأخذ باللب دون القشر، فإنّ الكبريات الواردة في الكتاب والسنة كلها لب وأما القشر فإنما يرجع إلى التخطيط والتجسيد. ولنمثل لذلك: لقد دعا الإنسان إلى الملبس والمسكن وإشاعة العلم والتربية، وهذا هو اللب، وأما الأشكال والأنماط لهذا التشريع فمتروك إلى مقتضيات العصور، إن الذي يهتّم به التشريع كون البيت مُقاماً على أرض غير مغصوبة ومن مال حلال بحيث يتمكن المسلم من إقامة فرائضه عليها وحفظ كيانه، وقد أناط شكل البيت وهندسته إلى مقتضيات الظروف والمصالح، وكذا الملابس ووسائل التعليم ابتداءً من الحفر على الصخر والجدران والكتابة على الجلود والقراطيس إلى ابتكار وسائل الكترونية متطورة لإنجاز الغرض، فمن أراد الحفاظ على الصور، فقد عرقل الأُمة الإسلاميّة عن التقدم وأثار مشاكل في تطبيق الشريعة في الأزمنة الحاضرة. الثالث: الأحكام التي لها دور التحديد: من الأسباب الموجبة لمرونة هذا الدين وانطباقه على جميع الحضارات الإنسانية