ـ(65)ـ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ?(1). نستخلص من كلّ هذه الآيات أن اليهود والمسيحيين، وبخاصة القدامى منهم كانوا يحاولون بهذه الأفكار الواهية التفوّق على البشر، والتمرّد على تعاليم الله، والتخلص بصورة خاصة من الانضواء تحت لواء الإسلام؛ مرة بافتعال أُكذوبة(الشعب المختار) الذي لا ينبغي أن يخضع لأي تكليف، ومرة أُخرى بافتعال خرافة(الأسماء والانتساب) وادّعاء النجاة بسبب ذلك والحصول على مغفرة الله وجنته وثوابه، ومرة ثالثة بتخصيص(الهداية) وحصرها في الانتساب إلى إحدى الطائفتين، بينما نجد أنه كلّما مرّ القرآن على ذكر هذه المزاعم الخرافية أعلن بكل صراحة وتأكيد: أنه لا فرق بين إنسان وإنسان إلاّ بتقوى الله إذ إن أكرم الناس عند الله اتقاهم. وأما النجاة والجنة فمن نصيب من يؤمن بالله، ويعمل بأوامره دونما نقصان، وهو بهذا يقصد تفنيد مزاعم اليهود والنصارى الجوفاء. بهذا البحث حول الآيات الثلاث(المذكورة في مطلع البحث) نكشف بطلان الرأي القائل بأن الإسلام أقرّ- في هذه الآيات- مبدأ(الوفاق الإسلامي المسيحي واليهودي) تمهيداً لإنكار عالمية الرسالة الإسلاميّة وخاتميتها، بينما نجد أن غاية ما يتوخّاه القرآن- في هذه الآيات- إنّما هو فقط نسف وإبطال عقيدة اليهود و النصارى، وليعلن أن النجاة إنّما هي بالإيمان الصادق والعمل الصالح؛ فلا استعلاء ولا تفوق لطائفة على غيرها من البشر مطلقاً، كما أن هذا التشبث الفارغ بالأسماء والدعاوى ليس إلاّ من نتائج العناد والاستكبار وعدم الإذعان للحق. فليس الأسماء ولا الانتساب هي التي تنجي أحداً في العالم الآخر، وإنّما هو الإيمان والعمل الصالح، وهذا الباب مفتوح في وجه كلّ إنسان يهوديّاً كان أو نصرانيّاً ________________________________ 1ـ سورة آل عمران:67.