ـ(506)ـ سكوته واجباً بدليل آخر لا يفيد مجرّد سكوته صلّى الله عليه وآله وسلّم إلاّ إباحة الفعل(1). وما صدر عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم في أمور دنيويّة بحتة، وأفعال جبلية وما صدر عنه بمقتضى خبرته الإنسانية الدنيويّة لا علاقة لها بالتشريع ولا مبنية على الوحي ومختصّاته فلا يكون دليلاً من أدلّة الأحكام، ولا مصدراً تستنبط منه الأحكام الشرعية ولا يلزم اتباعهما ؛ ومن ذلك ما روي أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم رأى قوماً في المدينة يؤبرون النخل فأشار عليهم بتركه ففسد التمر، فقال لهم: أبروا أنتم أعلم بأمور دنياكم. ومن ذلك تنظيم الجيوش والقيام بما يقتضيه تدبير الحرب وشؤون التجارة، ونحو ذلك من خبرته الإنسانية في الأمور الدنيويّة البحتة فهذه الأفعال لا تعتبر تشريعاً للأمّة، لأنّ مبناها التجربة لا الوحي. ومن ذلك الأكل والشرب والمشي، والقعود ونحو ذلك من أفعاله الجبلية التي تصدر عنه بحسب الطبيعة البشرية وبصفته إنساناً، فهذه لا تدخل في باب التشريع إلاّ على اعتبار إباحتها في حقّ المتكلّمين. ومن ذلك مختصّاته صلّى الله عليه وآله وسلّم التي لا تتعدّى إلى غيره ولا يشترك معه باقي المسلمين، مثل وجوب التهجّد في الليل وجواز العقد على أكثر من أربع زوجات، وكذلك لـه من الأحكام ما يختصّ بمنصب الولاية العامّة فلا تكون لغير النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو الإمام بدليل أنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما أشار إليه الشيخ محمّد رضا المظفّر في كتابه "أُصول الفقه" في مبحث السنّة. الوجه في ذلك: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بشرٌ مثلنا، لـه ما لنا وعليه ما علينا، وهو مكلّف من الله تبارك وتعالى بما كُلّف به الناس إلاّ ما قام الدليل الخاص على اختصاصه ببعض الأحكام، أمّا من جهة شخصه بذاته أو من جهة منصب الولاية، فما لم يخرجه الدليل فهو _______________________________________ 1 ـ الوجيز للدكتور عبد الكريم زيدان، والوجيز في أصول التشريع الإسلامي للدكتور محمّد حسن هيتو.