ـ(50)ـ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ?(1) وكذلك قولـه سبحانه:?مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ?(2). وهذه الآيات وغيرها تَصبُّ روافدها في هدف واحد، وهو وحدة الدين عند الله منذ نزول هذا الفيض إلى عصر النبي الخاتم؛ فرسالة السماء إلى الأرض رسالة واحدة، وعلى ذلك، علينا بيان متعلق الوحدة ومصبِّها، وليس ذلك إلاّ الأصول والعقائد لا الأحكام والفروع. إن مصبَّ الوحدة في الشرائع السماوية هو المعارف والعقائد، وقد اتفقت وحدة الأنبياء على التوحيد في الخالقية والتدبير، وفي العبادة والطاعة ولم تختلف في ذلك قيد شعرة؛ قال سبحانه ?وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ?(3). ومع الاعتراف بوحدة الشرائع في جوهر المعارف والعقائد والمقاصد والغايات، فقد كانوا مختلفين في المنهاج والشريعة، قال سبحانه: ?وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ?(4). وقال أيضاً:?ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ?(5). وقال أيضاً: ?لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ?(6). هذه الآيات توحِّد الشرائع في الأصول والمعارف لا في الأحكام والسنن نظراً إلى اختلاف الظروف ومقتضياتها؛ فكل شريعة من الشرائع السماوية كانت شريعة كاملة ________________________________ 1ـ سورة آل عمران: 85. 2ـ سورة آل عمران: 67. 3ـ سورة النحل: 36. 4ـ سورة المائدة: 48. 5ـ سورة الجاثية: 18. 6ـ سورة الحجّ: 67.