ـ(489)ـ فيمكن أن يستنتج من قوله في تعريف سنّة الهدى: "إنّ تركها يوجب إساءة" وكذا قوله: "قريبة من الواجب يضلّل تاركها لأنّ تركها استخفاف الدين" أنّه يجعل لسنّة الهدى موقع الواجب، فإنّ الضلال والاستخفاف بالدين والإساءة ليست أشياء يسمح بها. نعم إلاّ أن نحمل كلامه بما اعترف به كثير من الفقهاء من السنّة والشيعة أنّ ترك السنن بالمرة إذا كان عن استخفاف وتحقير فهو غير جائز(1)، فحينئذٍ لا بدّ أن نقول ما أراد من السنّة إلاّ ما يقع في إطار المستحب ولو في مدارجه العالية، فمراده من أنّ تاركها مضلل أو مستخفّ بالدين هو فيما إذا تركها إعراضاً واستخفافاً لا مجرّد الترك من غير عذر، وقد يتراءى من كلمات بعض أنّ السنّة شيء أعلى من المستحب، فتقع في إطار الواجب ولكن في أدنى مراتبه، فنرى أبا اليسير قد عرّف السنّة بأنّها: "كلّ نفل واظب عليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مثل التشهّد في الصلاة والسنن الرواتب، وحكمها أن يندب إلى تحصيلها ويلازم على تركها مع لحوق إثم يسيره"(2). وهكذا جاء في فتاوى (عالم كيرية) في باب النوافل: "رجل ترك سنن الصلاة، فإن لم ير السنن حقّاً فقد كفر، لأنّه تركها استخفافاً، وإن رآها حقّاً فالصحيح أنّه يأثم، لأنّه جاء الوعيد بالترك"(3). وفي هذا المجال قد اضطربت كلمات الإعلام بحيث لا يمكن تخليص ضابط شامل، ولكن لا أرى لإسهاب الكلام في هذا الكرّاس المحدّد حول تحديد السنّة مجالاً، ولا يهمّنا تأطير السُنّة في حقل الفقه بل الذي يهمّنا هو تحديد وتبيين مصاديقها من حيث الحكم، _______________________________________ 1 ـ أُعطيك مثالاً لذلك: إنّ كثيراً من فقهاء الشيعة بينما عدّوا حضور صلاة الجماعة من المستحبات المؤكدة قالوا: لا يجوز تركه استخفافاً. 2 ـ كشاف اصطلاحات الفنون 1: 707. 3 ـ الفتاوى العالمكيرية 1: 112.