ـ(444)ـ ولسنا مطالبين اليوم بأن نبحث عن وحدة مذهبية في الأحكام الفرعية، فذلك ممّا لا يمكن تحقيقه ولا يترتب عليه أيّ أثر ايجابي، لأنّ التعددية مظهر حيّ ودليل على حيوية الجهد الذي يبذله العلماء في التوصل إلى المعرفة، ويجب أن ينصبّ اهتمامنا على استكشاف أوجه التلاقي بين المذاهب الإسلامية، لتعبيد مسالك التقارب وطرق التعاون، لكي يكون جيلنا محصّنا ضدّ الفتنة ومهيّأ لرفض أيّ شعار يمزّق وحدة هذه الأُمّة، وبهذا المنهج التحصيني نضمن أن تظلّ شعوبنا متعاونة ومتكاتفة تؤمن بالتساكن والتعايش، وترفع راية الحوار أداة حضارية لتضييق دائرة الاختلاف. وإنّنا ندعو إلى تطويق كلّ مظاهر التعصّب المذهبي، وإدانة كلّ شعار يثير الفتنة ويهدّد وحدة هذه الأُمّة، ولا يجوز لنا أن نكون أداة طيعة وغافلة لتنفيذ المخطط الذي يريد أن يراهن على الخلافات المذهبية، فأوجه التلاقي أكثر وأعمق، وما يوحدنا أكثر مما يفرقنا، وما يدفعنا إلى التضامن والتكافل والتعاهد أرسخ وأقوى ممّا يدفعنا إلى التباعد والتنافر، ويجب على علماء هذه الأُمّة - وهم أهل الحكمة والرأي والاختيار - أن يفسدوا مخطّط التمزيق والتفريق، وأن يكونوا في مقدمة الموكب الذي يدعو إلى الوحدة، وأن يتصدّوا بشجاعة وجرأة لصيحات التطرّف وشعارات الانفعال، فالتاريخ سجل خالد، وحكماء الأُمّة هم الأجدر بأن يملؤوا صفحاته بمواقف جهاد في سبيل تصحيح العلاقات، وعقلنه الانفعالات والسيطرة على مسارات أمتنا، في رحلتها الشاقّة للبحث عن هويتها وذاتيتها والتمسّك بعقيدتها وثقافتها. ولا يجوز أن نسمح للتاريخ بأن يحكم قبضته على عواطفنا، فتاريخنا هو تاريخ بشري، وبعض صفحاته مشرق وبعضها الآخر قاتم، فما كان مشرقا فيجب أن نعتزّ به، وأن يكون مصدر إلهام لنا، وما كان قاتما فيجب أن ندينه وأن نأخذ منه العبرة، لكي لا تتكرّر الأخطاء، والغاية من التاريخ، كما يقول ابن خلدون في مقدمة مقدمته: "أن تتمّ