ـ(443)ـ المجالس وأجملها، لأنّها كانت تجسّد أخلاقيّة العلماء وسعيهم للبحث عن الحقّ والصواب، ومازلنا نذكر بإعجاب ذلك التلاقي والتقارب بين المدرستين الفقهيّتين، مدرسة الحديث ومدرسة الرأي وحرص كلّ مدرسة على أن تستفيد من خصوصيّات المدرسة الأُخرى، فمدرسة الحديث استفادت من مناهج علماء الرأي في الأقيسة والعلل، ومدرسة الرأي استفادت من مناهج مدرسة الحديث في الرواية والتأصيل. ظاهرة التعدّدية المنهجية: والتعدّدية المنهجية ظاهرة حيّة، وهي دليل على قدرة فكرنا على توليد التصورات الاجتهادية القادرة على تكوين المدارس الفكرية، التي أسهمت في إغناء ثقافتنا الإسلامية بعطاء أجيال متعاقبة، جمعتهم رغبة أكيدة في خدمة هذا الفكر. ومن اليسير علينا أن نلاحظ هذه التعدّدية المنهجية في طريقة التصنيف الأصولي بين طريقة الشافعية التي اعتمدت على وضع القواعد أولا وتطبيق الفروع عليها، والحنفية التي اعتمدت على الفروع كمنهج للتقعيد والتأصيل، ولا بدّ في كلّ تعدّدية من آثار إيجابية تتمثّل في توليد المنهجية الوسطية التي تتلافى الأخطاء الممكنة والمحتملة لكلّ من الطرفين. والوسطية في جميع الظروف وليدة طرفين متباعدين، وهي نتاج طبيعي لتعدّدية منهجية في طرق البحث والتأصيل، وإنّنا نتطلع الآن إلى وسطية عاقلة يحقّقها الاحتكام إلى النصوص النقلية، وينّميها شعور صادق بحاجة هذه الأُمّة إلى التقارب الفكري، والتساكن النفسي في ظلّ تعدّدية مذهبية، تجسّد انتماء كلّ شعب من شعوبنا إلى محيطه الثقافي والمذهبي والاجتماعي، ولا تنسيه حقيقة انتمائه إلى عقيدة واحدة وثقافة إسلامية متميّزة حدّد القرآن الكريم والسنّة الشريفة معالمها الأساسية.