ـ(440)ـ يبحثوا عن شروط قبول الرواية وضوابطها، وعلل الحديث وعلم الرجال. وفي معرض البحث عن قواعد الاستنباط من النصوص النقلية وضع علماء الأُصول معايير لغويّة، وبحثوا في علاقة اللفظ بالمعنى، من حيث المعنى الذي وضع لـه كالخصوص والعموم، أو من حيث المعنى الذي استعمل فيه كالحقيقة والمجاز والصريح والكناية، أو من حيث خفاء المعنى وظهوره، أو من حيث طرق الوقوف على مراد المتكلّم سواء في دلالة العبارة أو دلالة الإشارة. ويعتبر "القياس" من أبرز المعايير الاجتهادية التي يعتمد عليها العقل البشري في إلحاق الفروع بالأصول، والقياس هو أداة العقل لتوليد أحكام شرعية في المسائل المستحدثة والنوازل الطارئة، ويعتمد القياس على "علّة" وهي الوصف الذي أضاف الشرع الحكم إليه وأناطه به ونصبه علامة عليه، ومن اليسير على العقل البشري أن يكتشف علّة الحكم فيما هو منصوص عليه من الأحكام الشرعية المنظّمة لمصالح البشر، والمحقّقة لمقاصد الشريعة من حيث المصالح والمفاسد، فما كان مصلحة فهو في موطن الاعتبار، وما كان مفسدة فهو في موطن الالغاء، ويتّسع دور العقل البشري في مجال القياس بحثا عن علل الأحكام، وبخاصة فيما لم تُعرف علّته بنصّ صريح، وتبرز قدرات المجتهدين وبراعتهم في استكشاف العلل المناسبة التي ارتبطت بها الأحكام، وعندما لا يتّضح للمجتهد الوصف المناسب لاعتباره علة الحكم يجوز لـه أن يأخذ بالظنّ الراجح الذي لا يوجد مساو لـه ولا أقوى منه، وهذه الساحة المتروكة للعقل البشري عن طريق الاجتهاد تتيح لفكرنا الفقهي أن ينمو ويتّسع، وأن يُلَبِّي حاجات اجتماعية وأن يجسّد قدرة فقهاء الإسلام على تأصيل الأحكام، ومواجهة القضايا المستجدة بعقلية قادرة على الفهم إغناءً لفكرنا، واستجابة لقضايانا، وتأكيداً لاستقلالية هذه الأُمّة، وتمكينا لها من تكوين فكر متميّز، تواجه به التحدّيات التي تستهدف هويتها