ـ(439)ـ وهذه المبادئ والقواعد والأحكام تؤكّد عظمة الفقه الإسلامي في إقراره لمبدأ حقوق الإنسان، ويعتبر النموذج الإسلامي فيما يتعلّق بهذا المفهوم النموذج الأفضل والاشمل، لأنّه ينطلق من منطلق ترسيخ قيم اجتماعية تجعل التفاوت بين البشر من السلوكيات المنبوذة والمكروهة في المجتمعات الإسلامية التي تدين في رؤيتها لكرامة الإنسان وحقوقه من عقيدة راسخة مكينة في النفس، ومن تربية إسلامية تدين كلّ أنواع التمييز العرقي والقومي وتجعل البشر في موطن العبودية لله تعالى، يلتقون في رحاب الانتماء الإنساني على صفة التكليف، التي لا تفرّق بين البشر، وتجعل معيار التميّز خاضعا لسلوكيات الاستقامة وإرادة الخير. مكانة العقل البشري في الإسلام: ومن أبرز المواقف الإسلامية التي تجلّت فيها ثقة الإسلام بالإنسان "الاحتكام إلى العقل البشري" فيما لم يرد به نصّ من الوقائع والنوازل؛ ممّا يدخل في إطار الأحكام الاجتهادية؛ والاجتهاد هو المصدر العقلي الذي أقرّته الشريعة الإسلامية واحتكمت إليه، واعتبره علماء الأُصول من المصادر الأصيلة، ووضعوا لـه قواعده وضوابطه لكي يكون أداة لاستكشاف الحكم الشرعي. ومجال الاجتهاد محدّد، فلا يقع الاجتهاد فيما ورد فيه نصّ، إلاّ إذا كان هذا النص ظنّي الثبوت أو ظنّي الدلالة، وفي هذه الحالة يكون مجال الاجتهاد البحث عن مدى قطعيّة الدليل أو عن مدى قطعيّة الدلالة، ومن هذا المنطلق عكف علماء الحديث على وضع علم مصطلح الحديث، لمعرفة مدى صحّة الحديث، وفرّقوا بين الرواية والدراية، واشترطوا لصحّة الرواية الضبط والعدالة، لئلّا يقع الخلط بين ما هو صحيح وما هو موضوع، واستطاع علماء الحديث أن يضعوا معايير للرواية الصحيحة، وأن يحدّدوا أنواعها، وأن