ـ(38)ـ ?... وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ?(1). ما هو المراد من الكفر هنا، حيث كان ترك الحجّ- وهو فريضة كسائر الفرائض- لا يوجب تركه كفراً بالله تعالى، فقال صلى الله عليه وآله: "من تركه لا يخاف عقوبته ولا يرجو مثوبته"(2) أي من ترك الحجّ ترك جحود ناشئاً عن عدم الإيمان بشريعة الله تعالى. وهكذا في سائر الموارد حيث وجد إبهام في فهم الآية، كانوا يراجعونه ويسألونه الحلّ والإيضاح؛ وقد أوردنا غرراً من ذلك في كتابنا "التفسير والمفسّرون" في حقل التفسير بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وآله. وكان صلى الله عليه وآله يتعرّض للتفسير بنفسه أيضاً عندما يلقي على أصحابه شيئاً من آيات الذكر الحكيم. كان صلى الله عليه وآله يتلو على أصحابه العشر من الآيات، لا يتجاوزهنّ حتى يعلّمهم تفسيرها وتأويلها؛ فقد أخرج ابن جرير بإسناده عن ابن مسعود، قال: كان الرجل منّا إذا تعلّم عشر آيات، لم يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهن والعمل بهنّ، وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: حدّثنا الذين كانوا يقرئوننا، أنّهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وآله فكانوا إذا تعلموا عشر آيات، لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل. قال: فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً(3). وهكذا دأب رسول الله صلى الله عليه وآله على تعليم أصحابه الأجلاء معاني القرآن وتفسير ما أُبهم منه، إلى جنب تعليم قراءته وتلاوته؛ والمقصود من العمل به: كيفية استنباط المسائل منه، بمعنى الاجتهاد في استخراج مفاهيمه العامة الجارية مدى الأيام. غير ان المأثور من التفسير المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله قليل جداً، حسبما جمعه جلال ________________________________ 1ـ سورة آل عمران: 97. 2ـ الإتقان 4: 218، السيوطي. 3ـ تفسير الطبري 1: 27- 28 و 30.