ـ(37)ـ والتفسير يرتفع في أُصوله إلى زمن حياة الرسول صلى الله عليه وآله، حيث كان الصحابة ربما أشكل عليهم فهم آية فكانوا يراجعون النبي ويسألونه الإيضاح والتبيين، فيجيبهم عليه حسب وظيفته الرساليّة في تبيين مفاهيم القرآن؛ قال تعالى: ?...وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ?(1). فقد أنزل القرآن على النبي ليبيّن للناس معانيه مما أشكل عليهم فهمه، وليكون ذلك ذريعة إلى مزاولة فهمهم وفكرتهم في استخراج معانيه والبسط فيها. فممّا سُئل النبي صلى الله عليه وآله عن المعنى المراد من الآية ما جاء سؤالاً عن "السائحين" في قولـه تعالى: ?التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ...?(2). حيث وقع هذا الوصف مدحاً يزاوله المؤمنون؛ فقال صلى الله عليه وآله "هم الصائمون"(3). قال الطبرسي: السائح مِنْ ساحَ في الأرض يسيح سيحاً إذا استمر في الذهاب، ومنه السيح للماء الجاري. قال: ومن ذلك يسمّى الصائم سائحاً، لاستمراره على الطاعة في ترك المشتهى؛ قال: وروي عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال: "سياحة أمتي الصيام"(4). نعم إنّما كان الصيام سياحة للمؤمن، لأنها عبادة خالصة يقوم بها العبد طالباً وجه ربه، بعيداً عن كلّ شائبة للرياء والضمائم التي قد تعتري سائر العبادات، فالصائم خالص بوجهه لله، هائم في بيداء عبادة ربه الكريم لا تثنيه عن عزمه شوائب الاكدار وأدناس الأقذار. وسأله رجل من هذيل عن قولـه تعالى: ________________________________ 1ـ سورة النحل: 44. 2ـ سورة التوبة: 112. 3ـ المستدرك 2: 335، الحاكم. 4ـ مجمع البيان 5: 74- 76.