ـ(379)ـ تروي عنهم من أهل السنّة والجماعة، والكثرة والقلّة لم يكن سببها رفض أصحاب هذه الكتب النقل أو الرواية عنهم، وإنّما كان لابتعاد أهل تلك الفرق عن التحديث بما عندهم على الطريقة التي كانت متّبعة في الرواية والتدوين، أو أنّ الراوي كان أحياناً ممّن فقد الثقة المتمثلة بإخوانه الذين نقل عنهم من المذهب نفسه. ولذلك نرى أنّ من ترك حديثه أمّا أنّه من الغلاة، أو ممّن رُمي بالفسق الظاهر، أو التكفير والكذب والحيدة، فلم يُقبل حديثه لهذه الأسباب، ويكون غالب هذا لنصرة مذهبه.. وأمّا إذا كان الحديث لا يتعلق بذلك... أُخذت روايته للاعتبار. خدمة السنن الأربعة: ولعلّ من أواخر ما قُدّم للناس خدمة للحديث هو تقسيمنا للسنن الأربعة بفصل ضعيفها عن صحيحها، وهو عمل متميّز نحمد الله عليه، وقد تولّى طبعه مكتب التربية العربي لدول الخليج. وإنّ الذين جمعوا الحديث والسنّة في كتبنا كلّها لم يكونوا مؤمنين بعصمة أحد ممّن رووا عنهم، ولذلك عاملوا أحاديثهم معاملة دقيقة بملاحظة من يروي عنهم ويروون عنه، وفيما لو خالف الثقة من هو أوثق منه، وقد رجّح بعضهم جانب فقه الراوي فيما يتّصل بالأحكام الشرعية، مع عناية تامّة بنقد المتون حين معارضتها للأُصول الشرعية الكلية، فكان من نتيجة ذلك الحرص الشديد في التثبت. وإنّنا حتى اليوم نقوم بعرض ما عندنا على معايير العلم والنقد ونقابل وندرس ونصحّح ونضعف، مع تقديرنا واحترامنا لجهود علمائنا في ذلك منذ أيام الحديث الأولى. وفي عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وبتوجيه وتعليم منه، وعندنا تعليمه للزبير أنّ يلتزم اللفظ عينه "ونبيّك الذي أرسلت"، وسيجيء بيان ذلك تفصيلاً. فإذا أصبحت المذاهب بعد ذلك مدارس مغلقة على بعض، فلا يجوز أنّ يكون هذا