ـ(372)ـ رجع إلى السند مرة أُخرى لينظر مكامن تلك العلّة فيه، وما أقلّ الأحاديث والأخبار التي كانت علّتها في المتن، بعد سلامة السند في الطريقة التي اتّبعها أسلافنا من أهل الحديث رحمهم الله فأوصلت إلينا تلك الأُصول سليمة في الجملة. والناظر في تلك القواعد - المعايير والموازين - يجد أنّها من أعظم وأدقّ ما عرفه البشر حتى يومنا هذا في ضبط أخبارهم وعلومهم وحوادثهم، بل وأديانهم وآدابهم. وقد شهد لهم بذلك من ليس منهم، حتى المخالف لهم في النتائج التي وصلوا إليها صرّح بالإقرار بدقّتهم، وتقصّيهم العلمي وسلامة قواعدهم، وصحّة منهجهم، ووضوح سبيلهم. والمخالف المتعنّت لم يكن أمامه إلاّ العجز عن الاعتراض عليهم، أو اللّجوء إلى تمحّلات لا تسمن ولا تغني من جوع، وتفضح قاتلها وتنادي عليه بالجهل. وممّن شهد لهم بذلك - على سبيل المثال: المؤرخ النصراني المنقطع بعد ذلك لخدمة كنيسة الأرثوذكسية - الدكتور أسد رستم في كتابه "مصطلح التاريخ" الذي اعتمد فيه القواعد التي وجدها أمام عينيه عند علماء الحديث والأثر من نقد الأُصول للوصول إلى الوقائع الحقيقية والتأكّد من صحّتها ودقّتها. وممّا قال في مقدّمته ما ملخصه: "سبق علماء المسلمين سبقاً أوليّاً في مجال تنظيم نقد الروايات التاريخية... وأوّل من وضع القواعد لذلك، علماء الدين الإسلامي.. فانبروا لجمع الأحاديث ودراستها وتدقيقها، فأتحفوا علم التاريخ بقواعد لا تزال في أسسها وجوهرها محترمة في الأوساط العلمية حتى يومنا هذا". وقال أيضاً: "ممّا يذكر مع مزيد الإعجاب والتقدير، ما توصل إليه علماء الحديث منذ مئات السنين في مصنفاتهم، في مجال التثبّت من عدالة الراوي وضبطه، نورده بحروفه وحذافيره - تنويهاً - بتدقيقهم العلمي، واعترافاً بفضلهم على التاريخ..." ثمّ راح يُثني على