ـ(363)ـ إلى حدّ كبير في هذا الميدان. وخلاصة القول: إنّ هذه الحركات الثلاث أثّرت كلّ منها في الأخرى ؛ فلو أنّ السنّة كانت قد دوّنت مبكّراً لما فسح المجال بهذا المقدار للوضّاعين، ولو إنّ الأُمّة بعد أنّ دخل الوضع في السنّة تصدّت للوضّاعين لما تعمقت حركتهم، ثمّ إنّ حركة التوثيق لو لم تكن تأخّرت بهذا المقدار لكانت السنّة قد محّصت أكثر من هذا، ولما بقي مجال لترسّخ بعض آثار حركة الوضع في التاريخ. 2 - عدم إخضاع السنّة للآراء: لقد كانت الأُمّة تفهم بصورة ارتكازية لزوم جعل السنّة في الصدارة ولزوم الخضوع لها والسعي لكي تكون متبوعة لا أنّ تكون تابعة. ولعلّه لذلك نرى أنّ جلّ القواعد لتمييز الأحاديث الصحيحة عن السقيمة قد تم في مجال توثيق الأسانيد، لا في مجال توثيق متون الأحاديث مباشرة ؛ يقول الإمام الشافعي: "لا لأحدٍ إدخال لم ولا وكيف ولا شيئاً من الرأي على الخبر من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ". ويقول في موضع آخر: "أبان الله لنا أنّ سنة رسوله فرض علينا بأن ننتهي إليها لا أنّ لنا معها من الأمر شيئاً إلاّ التسليم لها واتباعها، ولا أنّها تعرض على قياس ولا على شيء غيرها وأنّ كلّ ما سواها من قول الآدميّين تبع لها" (1). تعقيب: ومع أنّ الفكرة السائدة في أذهان الأُمّة كانت هذه، أي إطلاق الحرّية للسنّة إلّا أنّه حصلت بعض الموارد سلبت فيها الحرّية عن السنّة ولم يفسح لها المجال لكي تتحرّك كما تشاء وتدلي بصوتها ؛ وأبرز هذه الموارد ما يلي: 1 - المجال السياسي ؛ لقد كانت التأويلات غير المستندة إلى أساس سلاحاً بيد _______________________________________ 1 - اختلاف الحديث للشافعي 21: 33.