ـ(356)ـ في ذلك إلى المستقبل، كما أنّنا لا نريد ادّعاء أنّ كل حالات الإعراض كانت تتمّ عن سوء نيّة، فإنّ الإعراض يضادّ السنّة سواء كان عن سوء نيّة أم لا. 2 - محاولة نشر السنّة على نطاق واسع في الأُمّة ؛ لقد تمثّلت هذه المحاولة في خطوات ثلاث: الأولى: إلقاء السنّة بين أكبر عدد من الناس، ومن هنا وجدت الأرضية لبروز الأخبار المتواترة عن النبيّ، ومعلوم أنّ مصطلح التواتر في علم الحديث لم يحتل مكانته البارزة إلّا من جرّاء وجود هذه الروايات في السنّة. الخطوة الثانية: الحثّ على حفظ السنّة ؛ لقد ورد الحث على هذا الأمر في طوائف من الروايات وبأساليب شتّى تشترك جميعها في إبراز هذا المعنى، ونكتفي برواية وردت عند الفريقين في أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: "من حفظ على أُمّتي أربعين حديثاً من السنّة كنت لـه شافعاً - أو شفيعاً - يوم القيامة"(1). وهذه الروايات هي التي أوجدت عند المسلمين ظاهرة الحرص على نقل الحديث النبوي بلفظه، وجدير بالذكر أنّ حفظ الأحاديث ليس مقصوراً على الحفظ في الصدور، بل يعمه إلى كلّ ما يكتب أو يلقى أو... حيث إن المراد من حفظها هو حفظها من الزوال والتلف (2)؛ ولعلّ كلمة "على" في الحديث تشير إلى ذلك. الخطوة الثالثة: تكراره للموارد المهمّة من السنّة؛ ولتوضيح هذه الخطوة النبويّة نشير إلى الأمرين التاليين: 1 - إنّ الناظر إلى السنّة يرى أنّه في كثير من الموارد وردت مجموعة من الروايات حول مضمون واحد، ومن المعلوم أنّه لا يمكن ادّعاء أنّ تكون كلّ هذه الموارد قد نشأت _______________________________________ 1 - كنز العمال 10: 224. ح 29184، الوسائل 27: 94. 2 - الأربعون حديثاً للمازندراني: 4.