ـ(324)ـ وثرائه الفكري والتشريعي، بحيث استطاع أن يعالج العناصر الثابتة والمتطوّرة من متطلّبات النظام الاجتماعي الكامل الصالح للتطبيق في مدى العصور والأجيال، ولولا وضع الحلّ المناسب من قبل الإسلام للعناصر المتطورة من خلال فكرة (منطقة الفراغ) - التي شرحناها - لما كان النظام الإسلامي صالحاً للتطبيق على مدى العصور والأجيال. ومنها: توهّم أنّ هذه الفكرة تفتح باب التعديل والتبديل في أحكام الإسلام وتشريعاته على مصراعيه، بحجّة أنّ ظروفنا تختلف عن ظروف عصر التشريع وأنّ الأحكام الإسلامية إنّما نزلت وفق متطلبات ظروف ذاك العصر، فمن حقّ أولياء الأمور في العصور المتأخّرة عن عصر التشريع أن يغيّروا ما شاؤوا من الأحكام الشرعية بدعوى أنّها من منطقة الفراغ، وقد يؤدّي ذلك إلى تحليل الخمر والميسر والربا، أو إلى رفع حكم الحجاب عن المرأة، أو إلى دعوى التساوي في الحقوق - من الإرث وغيره - بين الرجل والمرأة، إلى غير ذلك من التغييرات التي لو أدخلت في الأحكام الشرعية لما بقي من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلاّ رسمه. وقد اتّضح الجواب عن ذلك أيضاً من خلال أبحاثنا السابقة حيث قلنا: إنّ منطقة الفراغ لم يدعها الإسلام تحت رحمة الفكر الشخصي الخاصّ لوليّ الأمر ليحدّد حدودها باختياره، ويملأها بما شاء، وكيف شاء، ومتى شاء، بل إنّه وضع الموازين والضوابط العامّة لملء منطقة الفراغ، وقد ذكرنا سابقاً أنّ هذه الموازين والضوابط على ثلاثة أقسام: فقسم منها يرجع إلى كيفية تعيين وليّ الأمر الذي يمارس ملء منطقة الفراغ؛ فليس لكلّ أحد أن يشغل هذا المنصب الحسّاس، بل لابدّ من توفّر الشروط والصفات اللازمة فيه كما شرحنا. وقسم منها يرجع إلى تحديد مساحة منطقة الفراغ، وقد قلنا: إنّها تُحدَّد في ثلاثة مجالات، وهي: مجال تشخيص الموضوعات، ومجال تشخيص الأهمّ والأصلح عند